نحن في المملكة شعب يحب المتدينين ويثق بهم، وأنا اعتبر هذه الفطرة الجميلة ميزة للشعب السعودي الأصيل، ولكن للأسف ان هذه الفطرة شوهت نتيجة لأفعال من نطلق عليهم وصف المتدينين او الملتزمين. أصابتنا لوثة التدين المغشوش، فالتدين الحق يتمثل في الإيمان الصادق الذي يتجلى في الخوف والخشية من الله وفي الحب لله والتوكل والمراقبة مما يشمل الأعمال القلبية الباطنة وليس في الأعمال الظاهرة، وذلك مصداقا لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التقوى ها هنا) وأشار الى صدره ثلاث مرات. وقد مرّ زمن الصحوة كما يسميها الدكتور الغذامي ونشأت ظاهرة الملتزمين (المتدينين) وتوسعت هذه الظاهرة واستبشرنا خيرا بها، ولكن ظهر على غفلة منا ما يسمى (التدين المغشوش) أو ظاهرة الاستغلال للتدين ونحن مجتمع بسيط طيب. تتمثل هذه الظاهرة في الانحراف عن التدين الحق الى التدين المغشوش واستغلال الناس لهذه الظاهرة، فخرج أناس لا يخافون الله ولكن عليهم مظهر التدين أو ظهروا وتلبسوا لباس الدين فوثق الناس بهم وقدموهم واحترموهم وكانت النتيجة مصائب عظمى وكوارث متعددة، فمثلا الإنسان اذا أراد ان يخطب للزواج ما عليه الا أن يلبس لباس التدين وحينئذ تفتح له الأبواب على مصاريعها فيتم الزواج ثم نكتشف ان الرجل غير متدين أو متدين تدينا مغشوشا، وأننا أعطيناه ثقتنا وزوجناه فكانت المشاكل التي لا عد لها ولا حصر. ومثال آخر هو ايضا دليل على فطرتنا الطيبة: أن يعلن عن وظيفة إمام أو خطيب فنبحث عمن تتوفر فيه المواصفات وهي اللحية وتقصير الثياب والمسواك ونهمل التحقق من تقواه وخشيته.. فتقع المصيبة وهي أننا قدمنا للإمامة من لا يستحق التقديم. المشكلة نتجت عن تضخيم الأمور الشكلية والتركيز عليها حتى ظننا انها تعني التدين وصورنا للناس أن الدين يكمن فقط في هذه الأمور في اللحية وفي تقصير الثوب وتركنا الأمور الحقيقية التي تفسر التدين. فأصبح التدين في نظرنا عبارة عن لحية وامور شكلية لا حقيقة لها، وأصبحنا نثق في كل من ابدى هذه المظاهر وننفي التدين عمن لا يحملها، مع أن خبرتي الحياتية بينت لي أن أناسا ممن يحملون شكل التدين لحية.. تبين انهم محتالون غير صادقين وغير مؤتمنين..، وأن كثيرا ممن لا يحمل ذلك الشكل الظاهري تبين لي انهم صادقون ويخافون الله ونزيهون. إذن التدين الصادق ليس في هذه المظاهر الشكلية، وانما في المظاهر الإيمانية الصادقة، حب لله وخشية وتقرب وخوف... هذه مظاهر التدين الصادق. فعلينا أن نميز بين التدين الصادق والتدين المغشوش.