تواردت علي الكثير من الاستفهامات والتساؤلات مما نشاهده في المجتمع أو نسمع عنه، ومنها: لماذا المظاهر الشكلية أصبحت أدلة قاطعة على الأفراد؟؟!! هل يكفي الظاهر ليدل على الباطن؟!! عند ظهور شيء من التقصير في المظهر العام هل يعني عدم الإيمان؟!؟ ألا نستطيع الاجتماع على الأصول العظيمة في ديننا؟!! هل من صالح المجتمع أن يقسم إلى مطوع أو ملتزم أو ليبرالي أو إسلامي أو غيرها من المصطلحات ليقابل ضدها؟؟!! أيسركم ابتعاد الطرفين عن الآخر في كثير من المجامع والمنتديات والأماكن؟؟ والكثير والعديد من أمثال هذه التساؤلات، وإن هذا الموضوع لكثيراً ما أناقشه مع من حولي فأجد تبايناً كبيراً بينهما فذاك يهمه الظاهر فقط ويعتمد عليه بشكل كبير ويجعل الطرف الآخر نقيضاً له لا يثق بأمانته ولا بكلامه... والآخر لا يمكن أن يثق بمن اختفت عليه بعض السمات الظاهرة وهذا يحتاج إلى مراجعة وتفكير. ويا عجبي من أولئك الذين جعلوا الدين في مظهر خارجي خاص بالفرد بذاته من إعفاء لحيته أو تقصير ثوبه ونسوا أموراً كثيرة تحتاج إلى مزيد اهتمام مثل الأمانة والوفاء بالوعد وحسن الظن وجميل الخُلق وعفة اللسان والمحافظة على صلاة الجماعة وغيرها، ومن طرف آخر ربما نغتر بالمناصب أو العاملين بالجهات الدينية والخيرية ونجعلها تزكية لأفرادها من غير تدقيق أو نظر وتأمل وخاصة في مثل هذا الزمان الغريب فلا يعني أن من ينتسب إلى قطاع ديني معين أنه من أزكى الناس وأطهرهم ولا يمكن أن أجعل كل من يمارس العمل الخيري تقياً نقياً أميناً وما سمعناه وقرأناه من أخبار كثيرة ومتنوعة: من إمام مسجد مزور لأوراق جمعية وآخر يعمل في جمعية خيرية يتلاعب بأموالها لمصلحته الخاصة وآخر ذا منصب ديني رفيع يأخذ الرشوة وهلم جراً والمجتمع مليء بمثل هذه النماذج مما يجعلنا نعيد النظر في الاعتماد على المظاهر والمناصب فقط ويستلزم علينا عدم ربطهما بالتعامل أو التصرفات... ومن الآثارالسيئة لاعتماد الناس على المظاهر والمناصب نجد تقسيم المجتمع إلى (مطوع) أو ملتزم وضده ولا أدري ما المسوغ الشرعي والأدبي لذلك، فهل كل من أعفى لحيته وقصر ثوبه نطلق عليه أجمل الألقاب ونصفه بأحسن الصفات وهو يسرق ويغش ويكذب.... لا يمكن ذلك!! وعند تقصير مسلم في مظهره فربما حلق لحيته أو أطال ثوبه نطلق عليه أحكاماً سيئة مع أنه عفيف اللسان محافظ على صلاته لا يسرق ولا يكذب ولا يغش... لا يمكن ذلك!! ومما يدل على ما ذكرته من اعتماد الناس على المظاهر ما شاهدناه من سرقات متتابعة في بعض أصحاب مشاريع العقار أو الأسهم أو حملات الحج أو بعض المشاريع التجارية التي اعتمدت على استغفال الناس بمظاهرهم الخداعة فسرقوا أموال الناس وهربوا!! واعتقد أن الخطأ ليس موجهاً فقط للخداعين بمظاهرهم على الناس بل أيضاً للمجتمع الذي اكتفى بالمظهر واعتمد عليه! ويضيق صدر المسلم حينما يسمع التهم توجه إلى كثير من فئات المجتمع بأنهم مقصرون وفاسقون وعصاة ومذنبون ولا يخافون من الله... فيجعل المجتمع المسلم أحزاباً متفرقة وعلى ماذا؟ على ظاهر الناس فقط وهذا ظلم وجور وسوء ظن وعدم إنصاف في حق الآخرين وفي صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب الخمر، فيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيجلده، فأُتي به يوماً فأمر به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال صلى الله عليه وسلم «لا تلعنوه؛ فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله»، وإنك قد تفتقد في بعض الناس بعض السمات الظاهرة للصلاح، لكنك لا تفقد فيه معالم أخرى للصلاح؛ كطيبة القلب وعفة اللسان وسلامة الفكر ولين الجانب وسخاء اليد في المعروف والحرص على الصلاة والتذمُّم للناس وأداء حقوقهم، فهل تلغى هذه المعالم العظيمة للصلاح لأجل افتقاد شيء من السمات الظاهرة؟! فيجب أن يصحح مفهوم التديّن لدى الناس، حتى يدركوا أن وصف التدين لا تحتكره سمات خاصة بالمظهر تمنحُ هذا اللقب كلَّ من قامت به وتخلعه عن غيره، ولا يختص بطائفة تتميز بمظهرها. إن مفهوم التدين الذي ينبغي أن ننصاع إليه وتتزن به النظرة هو غلبة خير الإنسان مع تحقيق أصول الإسلام وأركانه، فإذا تحقق فيه ذلك كان أهلاً أن يضفى عليه هذا الوصف الممدوح. ونحن نقصد من تصحيح مفهوم التدين إلى أن نزيل النفرة التي قد تبدو من بعض الناس تجاه الآخرين، ولأجل أن نبطل طريقة التمييز الخاطئة، والتي تعوِّل على أول نظرة للظاهر دون سبر للأخلاق والفكر والمشاعر. وتصحيح مفهوم التدين وتوسيع دائرته يجعلنا جميعاً مسؤولين أمام كل هجمة تُراد بها عقيدة بلادنا ومؤسساتنا الدعوية وما يسمى بالثقافة السائدة. ومسألة تتصل بالمسألة السابقة اتصال الفرع بأصله، وهي أنه إذا كان ظاهر الإنسان لا يدل على باطنه ولا على فكره ولا أخلاقه بإطلاق، فمن باب أولى أن لا يدل على باطن غيره وفكره وأخلاقه، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يؤخذ أحد بجريرة غيره، إنما من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها. وقد نرى شخصاً واقعاً في فاحشة أو مرتكباً لكبيرة موبقة، وقد تفتقد فيه بعض سمات الصلاح الظاهر، فهل يعني هذا لزاماً أن يكون كل من شاكله في الظاهر مشاكلاً له في السلوك والفكر والباطن؟! كلا، ولا أظن عاقلاً يرى غير هذا. فإذا كان هذا فكذلك الأمر بالعكس، إذا رأينا شخصاً قد وقع في موبقة أو غلو وعليه شيء من سمات الصلاح الظاهر، فهذا لا يعني أن كل من شاكله في هذا الظاهر مشاكِلٌ له في الفكر والسلوك والباطن، وعلى هذا لا يجوز أن تُجعل بعض السمات ميسماً يُعرف به الإرهاب والغلو، لا سيما إذا كانت سنةً ثابتةً عن المصطفى صلى الله عليه وسلم. وخلاصة القول: أن توضع هذه السمات الظاهرة حيث وضعها الشرع بلا تهويل ولا استهانة، والذي يعني أنها شعيرة من الشعائر، لا شارة كمال تُضفي على صاحبها الصلاح المطلق، ولا أن تُجعل أصلاً من أصول الإسلام يُجعل فرقاناً بين الولاء والبراء والمحبة والبغض. وإذا أُعطيت أكثر من ذلك تواردت عليها اللوازم الباطلة، من إطلاق الصلاح بإطلاق، أو نفيه بإطلاق. يجب أن نفطن إلى أن وجود بعض سمات الصلاح الظاهر لا يدل على كمال صلاح الباطن بالضرورة، وعدم وجودها لا يدل بالضرورة على فساد الباطن، فلماذا يجعلها بعضنا حكما يفرض عليه طريقة التعامل ويصرف العلاقات؟! وكيف يعوِّل على أمر لا يدل إلا على نفسه؟! وفقني الله وإياكم للصواب ويسرني أن أشكر جريدة «الرياض» المتألقة بأطروحاتها وقضاياها وحرصها على نفع المجتمع والرقي بهم فسدد الله خطاهم للخير ويسر أمورهم في دروب السعادة». * إمام وخطيب جامع والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بحي الفلاح