أشارت بواكير نتائج استطلاعات الرأي الاسرائيلية - التي جرت عقب خروج الناخبين من مراكز الاقتراع - الى تقارب المنافسين الرئيسيين، الليكود والاتحاد الصهيوني، في حصد الأصوات، لكنها مالت الى الأخير، ما دفع براديو اسرائيل الى الإعلان عن تقدم المعسكر الصهيوني بزعامة يتسحاق هيرتسوغ على الليكود بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، لكن ما لبثت التلفزة الاسرائيلية الى عكس النتيجة. لكن المفاجأة الثالثة كانت حصول القائمة العربية (الفلسطينيون حملة جنسية الاحتلال الاسرائيلي في أراضي 1948) على المركز الثالث بسبب اتحادها في تكتل واحد لأول مرة. كما أنها المرة الأولى منذ خمسة عشر عاما التي تشهد فيها الانتخابات العامة الاسرائيلية إقبالا كبيرا للتصويت. فقد أفادت دائرة الإحصاء المركزية بأن نسبة المشاركة بلغت عند الساعة الثامنة مساء 65.7%، بينما صناديق الاقتراع أغلقت عند الساعة العاشرة بتوقيت القدس، وفي وقت لاحق أعلنت نسبة غير رسمية تتجاوز ال «70» من المشاركة. وشهدت الانتخابات إقبالا كبيرا من المواطنين العرب حملة جنسية الاحتلال الاسرائيلي (عرب 48) وهم الفلسطينيون على الأراضي المحتلة في عام 1948 ما دفع الأحزاب اليمينية الى ارسال العديد من نشطائها إلى البلدات العربية ليراقبوا عملية الانتخاب، والعديد منهم يشغلون منصبًا في لجنة الصندوق، ويقومون عمدًا بالتباطؤ في محاولة لمنع رفع نسبة التصويت لدى العرب وإضعاف القائمة المشتركة. وخرجت تسريبات من عينات تلفزيونية - بعد الساعة العاشرة ليلا - تشير الى منافسة شديدة جدا بحيث حصد المعسكر (الاتحاد) الصهيوني على 25 مقعدا وخصمه الليكودي على 23 مقعدا في الكنيست (برلمان اسرائيل) الذي يعد 120 مقعدا. ويستطيع الرئيس الاسرائيلي أن يكلف زعيم أي حزب يحصد أصواتا في الكنيست طالما يستطيع أن يشكل تكتلا أو ائتلافا بين الأحزاب وليس بالضرورة أن يكلف زعيم حزب يحصل الى أكثر الأصوات. ما يعني أن نتانياهو لا يزال خطرا جدا على هيرتسوغ لأن الأخير قد يعجز عن ايجاد شركاء له خاصة من الأحزاب المتشددة الصغيرة، بعكس نتانياهو الذي يسهل عليه أن يعود الى شركائه الطبيعيين ليشكلوا حكومة من المتطرفين. وهذه النتيجة تعني تكرارا لسيناريو عام 2013 الذي لم يستطع فيه خصوم الليكود تشكيل حكومة بسبب "تآمر" الأحزاب اليمينية المتطرفة الصغيرة عليهم ووقوفهم خلف نتانياهو. وقد أدلى ملايين الناخبين في إسرائيل بأصواتهم أمس في انتخابات صعبة وصراع ديكة يواجه فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهمة عسيرة للانتصار على حملة انتخابية قوية شنتها المعارضة من تيار يسار الوسط «المعسكر الصهيوني» برئاسة يتسحاق هرتسوغ لحرمانه من الفوز بفترة رابعة في رئاسة الحكومة. ومن جوانب عديدة تحولت الانتخابات إلى استفتاء على نتنياهو المعروف على المستوى الشعبي باسم بيبي والذي شغل رئاسة الوزراء تسعة أعوام على ثلاث فترات. وإذا فاز نتنياهو مرة أخرى فسيصبح صاحب أطول فترة في رئاسة الحكومة في تاريخ إسرائيل. وركز نتنياهو في الحملة الانتخابية على التهديد الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني وانتشار التشدد الإسلامي. غير أن كثيرين من الناخبين الإسرائيليين يقولون: إنهم سئموا هذه الرسالة؛ ونتيجة لذلك يبدو أن حملة يسار الوسط التي ركزت على القضايا الاجتماعية والاقتصادية خاصة تكاليف المعيشة المرتفعة في إسرائيل لقيت صدى أكبر لدى الناخبين. وعندما نشرت آخر استطلاعات للرأي في 13 مارس كان تيار يسار الوسط الذي ينضوي تحت لواء الاتحاد الصهيوني ويقوده اسحق هرتزوج متقدمًا بفارق أربعة مقاعد على حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو وهو ما يؤهله لتحقيق فوز غير متوقع. لكن الأيام الثلاثة الأخيرة من الحملة الانتخابية شهدت جهدًا كبيرًا من نتنياهو لدعم قاعدة التأييد الشعبي لليكود وجذب الأصوات من الأحزاب اليمينية والقومية الأخرى فوعد ببناء المزيد من المستوطنات اليهودية وعدم إقامة الدولة الفلسطينية إذا تم انتخابه. وإذا تحققت هذه الوعود الجريئة فستؤدي إلى مزيد من العزلة لإسرائيل من جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، لكنها قد تقنع الناخبين بقبول نتنياهو الذي تعرفه بدلًا من آخرين في تيار اليمين. وتوضح استطلاعات الرأي أن نحو 15 في المائة من الناخبين لم يستقروا على رأي وهو ما يعني أن النتيجة قد تختلف اختلافًا كليًا. ونادرًا ما كانت استطلاعات الرأي وسيلة للتنبؤ الدقيق بالنتائج في الانتخابات الإسرائيلية في الماضي. وإذا استطاع نتنياهو جذب الأصوات من أحزاب اليمين الأخرى فربما يتمكن من تقليص الفارق مع يسار الوسط ويصبح في وضع يؤهله كي يطلب منه الرئيس الإسرائيلي محاولة تشكيل ائتلاف حكومي. ولم يسبق أن فاز أي حزب بأغلبية مطلقة في الانتخابات في تاريخ إسرائيل الذي يمتد على مدار 67 عامًا. ولأن عدد الاحزاب التي تنتمي لليمين واليمين المتطرف أكثر في الساحة السياسية في إسرائيل فمن الأرجح أن يكون نتنياهو في وضع أفضل لتكوين ائتلاف حاكم حتى إذا خسر في الانتخابات، لكن إذا فاز يسار الوسط بفارق أربعة مقاعد أو أكثر فسيكون من حقه أن يحاول أولًا تشكيل الائتلاف. وأدلى هرتزوج بصوته في تل أبيب حيث شدد على أن الانتخابات تدور حول التحول إلى مسار جديد. وقال: «من يريد أن يواصل السير على طريق بيبي -طريق اليأس وخيبة الأمل- يمكنه أن يمنحه صوته. أما من يريد التغيير والأمل ومستقبلًا أفضل فعليًا لإسرائيل فليصوت للاتحاد الصهيوني تحت قيادتي». وقد عزز هرتزوج صورته بين الناخبين في الحملة الانتخابية رغم ما تعرض له من انتقادات في السابق. وقال ديدي كوهين (39 عامًا) وهو محام من تل أبيب: «للمرة الأولى في حياتي سأصوت لحزب العمل أي الاتحاد الصهيوني. فخطر تشكيل نتنياهو للحكومة القادمة كبير جدًا. منذ متى وهو في السلطة؟ تسع سنوات؟ هذا كثير جدًا. كفى». ويعتبر موشيه كحلون زعيم حزب كولانا «أي كلنا» الوسطي المنشق عن الليكود في أفضل وضع لتحديد الفائز برئاسة الحكومة، ومن المتوقع أن يفوز حزبه بعشرة مقاعد ومن الممكن أن يتحالف مع نتنياهو أو هرتزوج. ويعد الإعلامي السابق يائير لابيد رئيس حزب يش عتيد «هناك مستقبل» الوسطي صاحب مركز آخر للنفوذ في تحديد رئيس الوزراء المقبل، وربما يتحالف مع اليمين أو يسار الوسط ليدعم أيًّا من الاتجاهين بالمقاعد التي يتوقع الفوز بها وتتراوح بين 12 و14 مقعدًا. وإذا كان يسار الوسط هو الذي سيشكل الحكومة فسيحتاج لتأييد 61 عضوًا على الأقل في البرلمان، وهو ما يعني أنه سيحتاج إلى جانب تأييد كحلون أو لابيد تأييد حزب ميرتس من أقصى اليسار وتأييد أحزاب يهودية متطرفة يتوقع أن تفوز بنحو 13 مقعدًا. ومن العوامل الأخرى المؤثرة في الانتخابات الأحزاب العربية التي اجتمعت للمرة الأولى تحت قائمة موحدة عززت موقفها، ومن المتوقع أن تفوز أيضًا بنحو 13 مقعدًا، ومن المستبعد أن تنضم الأحزاب العربية لائتلاف يقوده يسار الوسط غير أنها قد تمنحه تأييدًا ضمنيًا في البرلمان وهو ما يتيح ليسار الوسط التفوق على نتنياهو. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء إدلائه بصوته في الانتخابات: إن هناك فارقًا لصالح حزب العمل يمكن تجاوزه بالتصويت لصالح الليكود، وأضاف إنه لا ينوي تشكيل حكومة وحدة عريضة وإنما حكومة للمعسكر القومي. ولفت إلى أن أول اتصال سيجريه سيكون مع نفتالي بنت رئيس حزب البيت اليهودي ليكون أول شريك في الحكومة. غير أن هذه الانتخابات قد لا تكون سوى مقدمة لمفاوضات مكثفة وقد يضطر الإسرائيليون إلى انتظار عدة أسابيع لمعرفة اسم رئيس الوزراء المقبل ما بين المحافظ بنيامين نتنياهو الذي جنح بقوة في مواقفه إلى اليمين في الساعات الأخيرة من الحملة الانتخابية أو العمالي إسحق هرتزوغ أو ربما شخصية أخرى، طبقًا لحسابات سياسية دقيقة ومعقدة. استفتاء على نتنياهو وتأخذ هذه الانتخابات طابع استفتاء على نتنياهو (65 عامًا) الذي يتولى مهام رئيس الوزراء منذ مارس 2009، والذي حكم إسرائيل لحوالي عقد كامل مع احتساب أولى ولاياته الثلاث بين 1996 و1999. ونتنياهو هو الذي دعا إلى هذه الانتخابات التشريعية المبكرة قبل حوالي سنتين من استحقاقها، بعدما حل الائتلاف الحكومي الذي كان بعد مفاوضات شاقة إثر تعرضه لانتقادات من الوسطيين في حكومته. وكان نتنياهو يعتقد في حينه أنه في موقع قوة في مواجهة جميع خصومه بدءًا بهرتزوغ (54 عامًا) المحامي الذي سبق أن شغل عدة مناصب وزارية في الماضي. آخر استطلاعات الرأي أشارت إلى تقدم قائمة الاتحاد الصهيوني بزعامة هرتزوغ والوسطية تسيبي ليفني بأربعة مقاعد (25 أو 26 من أصل 120) على قائمة حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء الحالي. تشكيل الحكومة بحاجة إلى ائتلاف وعلى ضوء تشتت للأصوات بين إحدى عشرة لائحة على الأقل من اليمين واليسار والوسط والأحزاب الدينية المتشددة والعرب، فإن تأليف الغالبية المقبلة أمر صعب التوقع. ويمكن ألا يعرف اسم رئيس الوزراء المقبل إلا بعد أسابيع. وفي النظام الإسرائيلي ليس بالضرورة أن يشكل زعيم اللائحة التي تأتي في الصدارة الحكومة بل شخصية من بين النواب ال120 قادرة على تشكيل ائتلاف مع الكتل الأخرى في البرلمان، بما أن أي حزب أو تكتل لن يكون قادرًا على الحصول على الغالبية المطلقة. وطرح نتنياهو نفسه خلال الحملة في موقع الضامن لأمن بلد خاض ثمانية حروب منذ قيامه عام 1948 غير أن خطابه الاستثنائي الذي وجهه في الكونغرس الأمريكي حول الملف النووي الإيراني لم يكفِ لوقف تقدم خصومه. وركز هرتزوغ وليفني هجماتهما على نتنياهو على صعيد غلاء المعيشة وكلفة المساكن والفوارق الاجتماعية. وعمد نتنياهو الإثنين إلى المزايدة على حساب الفلسطينيين فقد أعلن أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية في حال فوزه بالانتخابات التشريعية.