هو شاعر وصحفي مغامر، زاول الترجمة كتخصص، حصل على العديد من الجوائز آخرها جائزة السنوسي في دورتها الثالثة، التقى به "الجسر الثقافي" وحاوره حول امور وقضايا عديدة، منها الجوائز وانغلاق الأدب العماني على نفسه، وملامح القارئ الذي يكتب له، وتجديد القصيدة الكلاسيكية المقفاة في الشعر العماني، واستلهام رموز التراث، وتوظيف مفرداتها في الشعر، وغيرها من القضايا. إنه الشاعر العماني حسن المطروشي، الذي حضر حفل جائزة فوز ديوانه "لدي ما أنسي"، الذي فاز بجائزة "السنوسي" مؤخرا في جازان. أديب ومترجم وإعلامي، تعددت المسميات والهوية شاعر.. كيف ترى ذلك؟ -أنا شاعر "هوية" وفطرةً وتكويناً.. فكل صنعة تأتي بالتعلم، وكل فن يكتسب بالممارسة والتدريب، إلا الشعر، فإنه هبة إلهية يهبها الله للشعراء الأصفياء. أما الترجمة والإعلام فقد زاولتهما كمهنتين مجاورتين للشعر، الترجمة كتخصص تعليمي والصحافة كمغامرة تستدرج إلى مقصورتها الفاتنة أغلب الكتاب والأدباء. فزت مؤخرا بجائزة السنوسي، كيف تروى فوزك بها؟ وهل باتت الجوائز تشكل دليلا على مستوى إبداعية المنتج الأدبي؟ * الاهتمام بالمبدعين من خلال الجوائز والتكريم والمسابقات وغيرها من مظاهر الاحتفاء والتقدير، يشكل أهمية إنسانية وحضارية كبرى. الملتقيات الثقافية العربية قياسا بالفترة الزمنية القصيرة لفعالياتها، هل هي قادرة على أن تقوم بدورها في تنمية الحراك الفكري والتواصل بين المثقفين؟ وما الذي ينقصها لتكتمل باكورة إنتاجها؟ * الملتقيات ظاهرة صحية، وضرورة لا بد منها، وهي ليست كلها قصيرة، بل إن بعضها طويل إلى درجة الترهل. ولا شك أن هناك مآخذ كثيرة على الملتقيات العربية لا سيما من حيث التنظيم والتمويل وهيمنة السياسي والديني والأيدولوجي على بعضها، إلى غير ذلك من الجوانب السلبية، ورغم ذلك تظل متنفسا وحيدا يلتقي فيه الكتاب والمبدعون، ويتبادلون همومهم ويتعرفون على التجارب المختلفة، ويطلقون مشاريعهم الثقافية ويعززون روابطهم ويصقلون تجاربهم ويمثلون بلدانهم وأوطانهم. عملت رئيسا للقسم الثقافي بجريدة الوطن العمانية، أسست خلالها ملحقا ثقافيا أسبوعيا بعنوان «أشرعة».. كيف ترى ممارسه الصحافة على المبدع؟ وهل هي الخيار الأصعب والأقرب له؟ * الصحافة بالنسبة لكثير من المبدعين هي الحسناء اللعوب التي تستدرجهم جميعا، ثم بعد ذلك يلعنونها. ولا شك أن المبدع الجاد يعد مكسبا كبيرا لأي مؤسسة صحفية، نظرا لما يمتلكه من ثقافة وعلاقات إنسانية، ورغم ذلك أشعر أن على المبدع ألا يجعل الصحافة خياره النهائي، لأنها تستنزفه وتحرقه ضمن ما تمضغ وتحرق في طاحونتها اليومية، ولهاثها في البحث عن الجديد وتحولاتها وتوجهاتها أحيانا. ما السرُ وراء انغلاق الأدب العماني على نفسه؟ وأين موقعه في خطط وتوجهات التنمية الوطنية؟ * العزلة الحالية التى يعيشها الأدب العماني أعتقد أنها تعود الى العزلة التاريخية التي عاشها الإنسان العماني قديما وحديثا، قبل أن يتولى السلطان قابوس مقاليد الحكم، حيث بزغ على عمان فجر جديد، وأخذ العمانيون يستعيدون حضورهم ودورهم التاريخي. ثانيا هناك خفوت في صوت الإعلام العماني الذي ما زال يفتقد إلى كثير من المنافسة الخارجية، في ظل الفضائيات والسماوات المفتوحة، وبالتالي لم نتمكن بعد من التسويق لأنفسنا والتعريف بمفردات الثقافة العمانية كما ينبغي، والمثقف هو جزء من هذه المنظومة بأكملها. ثالثا هناك مآخذ على المثقف العماني نفسه بقلة مبادرته وزهده في التواصل والتعريف بصوته خارج حدود الوطن. ما نقاط الالتقاء والتقاطع بين المشهدين الثقافيين العماني والسعودي؟ * المشهدان العماني والسعودي يلتقيان ويتفقان أكثر مما يختلفان، فنحن أولا وأخيرا أبناء جزيرة العرب، ويستقي المشهدان من رافد واحد هو الثقافة العربية والإسلام. وتتقاطع في المشهدين مسارات التراث والحداثة والتجديد والهوية، إذ يشهد البلدان حراكا حداثيا قويا، كان يطرح نفسه في السابق بديلا لقيم المجتمع وثوابته وأنظمته السياسية، إلا أنه تراجع مؤخرا ليكتفي بحضوره في المجال الأدبي والفني كالشعر والتشكيل والتصوير. ولكن طفرة التكنولوجيا والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي خلقت تحديا آخر أسهم في تراجع الثقافة والتعليم، وتدني الوعي الفني والجمالي وتقدم التكنولوجيا وثقافة الصورة وبهرجتها على الروحي والجمالي، وسيادة ثقافة التسطيح وتشدد الخطاب الديني في ظل غياب مشاريع النقد والمساءلة الجادة. عملت مديرا للنادي الثقافي بمسقط، أين تضعه على مستوى الحراك الثقافي والنقدي والإبداعي عبر المشاريع التي أنجزتها؟ * العمل في النادي الثقافي كان مرحلة من مراحل التدرج في العمل الثقافي والوظيفي، وقد أسهمت بما لدي من الأفكار والمقترحات والبرامج، ورغم ذلك فإن كل عمل الثقافي مضنٍ ومتعب ويستهلك طاقة المرء، ويتطلب المتابعة والتجديد في الأفكار والخطط والبرامج والرؤى، وهو عمل محفوف بالمغامرة ويضعك عرضة دائمة أمام النقد وعدم الرضا. أما على صعيد الإنجاز الشخصي، فقد تمكنت أثناء وجودي في النادي لإنجاز أهم مشاريعي في الترجمة، حيث ترجمت كتابين هما: (اقتصاد المعرفة) للدكتور إبراهيم الرحبي، و(مذكرات رجل عماني من زنجبار) للسيد سعود بن أحمد البوسعيدي، وقد منحتني على إثرهما جامعة السلطان قابوس جائزة أفضل مترجم عماني للعام الماضي 2014م. المشهد الثقافي الآن وما يهيمن عليه من فكر سياسي - إن صح التعبير -، كيف تقرؤه؟ ومتى يعود النص المبدع؟ * لقد تجاوز النص الشعري مفهوم الأغراض التقليدية للنص القديم، ولم يعد الشاعر جهاز إعلام للعشيرة أو صحيفة للقبيلة، وإنما هو صوت للضمير يتحسس الروح وتوجساتها وتوثباتها نحو الانطلاق والجمال.. إنه يسعى إلى تهميش الواقع وتهشيمه وتفتيته وإعادة صياغته، بناء على ما يلتمع في مخيلة الشاعر وما تعكسه مراياه المنفتحة على العوالم «الجوّانية» الأكثر بعدا وعمقا ونصاعة من الواقع المعاش بأكداره وخطاياه. الشاعر يعيد للعالم مشهده الآخر، بعد إعادة بنائه في مختبرات الروح وانزياحات اللغة التي يفجرها الشاعر ليصوغ لنفسه لغة بديلة داخل اللغة القواميسية الجافة، التي علّبَها النحاة وجمَّدها الفقهاء وشنقها الساسة!. هل من ملامح للقارئ الضمني الذي تستبطنه وأنت تكتب النص؟ * لحظة الكتابة هي لحظة انقطاع تام، ينفصل فيها المبدع عن كل شيء ما، سوى القصيدة. تكتب الشعر الحر ولكن نجد أنك تعمد إلى كتابة القصيدة المقفاة وفق صياغات جديدة، ماذا يعني لك ذلك؟ * تجديد القصيدة الكلاسيكية المقفاة في الشعر العماني كان مشروعي الأساس في بداية تجربتي الشعرية، فقد وصلت القصيدة العمودية في آخر مراحلها إلى شيخوخة تامة، لا تمت إلى الشعر والإبداع بأية صلة، وتحولت إلى نظم ركيك للخطابة والمواعظ والمناسبات الدينية والاجتماعية والسياسية، وخلت لغتها من أية روح إبداعية أو مضامين شعرية حقيقية، وفي المقابل برزت قصيدة النثر في عنفوانها الهادر التي كادت تعصف بالقصيدة المقفاة المتهالكة، وتقضي على ما تبقى من رسومها وملامحها المتآكلة. ورغم أني لم أطرح مشروعي بديلا لأي تيار أو إقصاء لأية مدرسة شعرية بعينها، إلا أني وضعت هدفا محددا، يمنحني التفرد في المشهد العماني، وذلك من خلال كتابة قصيدة مقفاة بتقنيات القصيدة الحديثة، وهو الأمر الذي يوجب عليّ التسلح بالثقافة التراثية وإجادة فنون القصيدة القديمة، إلى جانب التسلح بالوعي الشعري والنقدي والفني الحديث، من أجل إجادة القصيدة الحديثة أيضا، وذلك من أجل دمج ثوابت القصيدة المقفاة واشتراطاتها بتقنيات القصيدة الجديدة والاستفادة من فتوحاتها، بغية خلق نص جديد يستفيد من المعطى الشعري عبر تاريخه المديد وتراكماته الخصبة. تتهم قصيدة النثر كونها انقطاعا عن التراث وخلعا للجذور والهوية.. كيف ترى ذلك؟ * هذه ليست قناعتي النهائية، وأرى أن الفن عموما والشعر خصوصا ليس فيه قناعات نهائية أصلا، وإلا توقف عند جيل بعينه وانتهى. هل نجح ديوان (وحيدا كقبر أبي) في وصف هموم الشاعر التي تنطلق من ذاته الصغيرة لتتشكل عبر دوائر من العزلة والإحباط والانهزامية التي يعاني منها الوطن العربي الكبير؟ * لا أستطيع الحسم فيما إذا نجح الديوان في هذه الأهداف أم لا، وهذه الأمور اتركها للنقاد الذين كتبوا عن الديوان. ما يهمني أنه نجح في وصف مشاعري والتعبير عن اللحظات الفاصلة والدرامية التي كنت أعيشها لحظة كتابة الديوان. إلي أي حد نجحت قصائد المطروشي في توظيف عناصر تراثية على نحو فني واع في القصيدة العمانية؟ * توظيف التراث بكل أشكاله كان أحد روافد قصيدتي المقفاة التي أشتغل على تجديدها، حيث عمدت إلى استلهام رموز التراث وتوظيف المفردات التراثية المختلفة، كالنص الديني والقول المأثور والأمثال الشعبية والتضمينات والإحالات والإشارات الفنية لتوليد دلالات تأويلية لمضامين النص الشعري، وهي إحدى التقنيات التي شرعت في إدخالها للقصيدة المقفاة، كما في قصيدتي التفعيلية أيضا. ألا يؤدي عزوفنا كعرب عن الترجمة وتفعيل دورها المفترض إلى ازدياد عزلتنا الثقافية؟ * الترجمة ضرورة حضارية لا يختلف عليها اثنان، ونحن بحاجة إلى نقل العلوم الجديدة إلى اللغة العربية حتى نتمكن من مواكبة العالم واللحاق بركب الحضارة، ورغم أهمية دور الترجمة فأنا أشعر أننا قبل ترجمة علومنا وثقافتنا وتراثنا يتوجب علينا مراجعة هذا التراث ومساءلته ونقده وتنقيته بعيدا عن التوجهات المذهبية أو الطائفية الضيقة. هناك الآن مشاريع ترجمة تتبناها مؤسسات ودول، أتمنى لو لم تكن على الإطلاق، لأنها لا تخدم سوى المذهبية والطائفية التي نروج لها ونطرحها باعتبارها الممثل الصحيح للثقافة العربية والإسلامية، هذه الثقافة بعينها التي انتجت التطرف والإرهاب وتسببت في نشر الرعب والدمار وتفتيت الأوطان وتبديد مواردها وتشريد الآمنين من البشر وإهدار كرامة الإنسان، ونشر المقابر الجماعية وغيرها من مظاهر الوحشية في أبشع صورها، جميها تحت راية الجهاد والدين، أهذه هي الثقافة التي نريد ترجمتها وإيصالها للشعوب المتحضرة؟! غلاف الكتاب شعار المسابقة