اضطر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للتراجع عن بعض وعوده الانتخابية و"ترشيد النفقات" بعد قرابة عام من فوزه بولاية رابعة، بالتزامن مع انهيار أسعار النفط، المصدر الأساسي لعائدات البلاد. وضربت الأزمة النفطية الجزائر بشكل مباشر، حتى إن بوتفليقة وصفها بأنها "قاسية"، معتبرا أنه لا يمكن التكهن بتداعياتها في المدى القريب. ومن انعكاسات هذه الأزمة، قرار الحكومة تجميد التوظيف في القطاع العام في 2015، وكذلك التخلي عن بعض المشاريع "غير الاستراتيجية" مثل بعض خطوط الترامواي، كما أعلن رئيس الوزراء. كما قررت الحكومة تشديد الرقابة على التجارة الخارجية "بصفة صارمة ودقيقة بهدف الحد من تهريب رؤوس الأموال". وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية في 2014 ، كان رئيس الوزراء الحالي عبد المالك سلال يردد خلال المهرجانات في كل أنحاء البلاد، أن "الجزائر دولة غنية وستستمر في تقديم الإعانات للمواطنين وتمويل مشاريع الشباب" حتى وإن استخدموا هذه الأموال "في شراء السيارات والزواج". وأثارت هذه التصريحات تعليقات كثيرة في الصحف، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، واعتبر ذلك تبذيرا لأموال الدولة. وغابت هذه التعليقات بعد نهاية الحملة الانتخابية وفوز بوتفليقة بولاية رابعة دون مفاجأة، قبل أن تعود مرة أخرى مع انهيار أسعار النفط وطهور بوادر أزمة في الموزانة، وعدم قدرة الدولة على تنفيذ وعودها الانتخابية. واعتبر الخبير الاقتصادي امحمد حمادوش أن "هناك تبذيرا كبيرا في النفقات وتحصيلا قليلا للضرائب في ظل انتعاش الاقتصاد الموازي وغير القانوني". وأضاف، "إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن الاقتصاد الموازي سيكون له نفس السيولة المالية للدولة في 2020 أي 50 مليار دولار لكل منهما". وأضاف، أن كل سياسة الحكومة "مبنية على معطى واحد هو التصدير والاستيراد، وكل القرارات السيادية مرتبطة بسعر النفط" في بلد يعتمد بنسبة 97 % على عائدات النفظ والغاز ويستورد حوالي 60 مليار دولار من السلع والخدمات. لذلك، يجب على الحكومة أن "تبدأ إصلاحات فورا، للخروج من هذه التبعية خلال خمس سنوات"، وفقا للخبير الاقتصادي. وبحسب اتحاد رجال الأعمال، فإن من بين 760 ألف شركة تنشط في الجزائر، هناك 300 ألف لا تنتج شيئا وتعمل فقط في الاستيراد. كما طالب بالإصلاحات صندوق النقد الدولي أيضا، خلال زيارة رئيس قسم الشرق الأوسط مسعود أحمد للجزائر، مؤخرا. ودعا مسعود الحكومة إلى إعادة النظر في الموازنة للسماح "بتكييف نفقات ومداخيل الدولة مع سعر بترول في حدود 50 و70 دولارا للبرميل، بدلا من 100 دولار". ولم يشعر الجزائريون فورا بأي إجراءات للتقشف في ظل استمرار الحكومة في دعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، أي الدقيق والحليب والزيت والسكر، لكن الصحف أصبحت تنشر في صفحاتها الأولى أخبار ارتفاع أسعار اللحوم والخضار والفواكه. وأوضح حمادوش، أن "على الحكومة أن تخاطب الشعب بواقعية وتشرح له الإصلاحات، كما عليها أن تحدد من هو في حاجة إلى إعانة بدل توزيع الإعانات على 39 مليون جزائري في حين أن المحتاجين لا يتعدون سبعة ملايين". وقال: إن الحكومة وعدت برفع الدخل الفردي للجزائريين إلى 8500 دولار سنوياً، بينما الدخل يتراوح بحدود 5000 دولار "لكنها لن تفي بهذا الوعد أو بوعود أخرى" ورأى الخبير الاقتصادي أن ذلك يتطلب "تحقيق نسبة نمو اقتصادي لا تقل عن 8 % سنويا لمدة خمس سنوات متتالية، بينما نسبة النمو المتوقعة للعام الحالي 3 %". وذهب خبراء آخرون إلى حد التحذير من أن الجزائر "قد تضطر إلى اللجوء للاستدانة من صندوق النقد الدولي خلال ثلاث أو أربع سنوات" كما أكد حاكم البنك المركزي السابق عبد الرحمن حاج ناصر. ويعيد التحذير إلى أذهان الجزائريين ذكريات مظلمة إبان التسعينات عندما كانت العائدات لا تكفي حتى لدفع خدمة الدين، بعد سنوات من انهيار أسعار النفط منتصف ثمانينيات القرن الماضي. ويتهم منافسو بوتفليقة في انتخابات الرئاسة بإطلاق وعود انتخابية وسوء استخدام الأموال التي تراكمت جراء الأسعار المرتفعة للنفط خلال السنوات الماضية. وأبرز هؤلاء المعارضين علي بن فليس، مؤسس حزب طلائع الحريات، الذي اتهم النظام القائم "ببذل كل الجهود لإبقاء الشعب في حالة جهل تام بآثار هذه الأزمة، خوفا من تعرضه للمحاسبة والمساءلة" أمام "تهاوي مداخيل تصدير النفط إلى النصف". وتحاول الحكومة أن تعوض تراجع العائدات بسبب انخفاض الأسعار بزيادة الكميات المصدرة من النفط والغاز، واستغلال الغاز الصخري، إلا أن ذلك يواجه صعوبات كبيرة بسبب رفض سكان الصحراء ذلك خوفاً على تلويث المياه الجوفية في منطقة قاحلة.