القطاع الخاص في دولنا الخليجية أشبه بالفتى المدلل، الذي لا يقوى على العمل ويلوم والديه في ذلك بدل المحاولة، فأغلب مشاريع «الخاص» في أوطاننا نجحت لدخول الحكومة شريكا رئيسيا معها، أو هي شركات عائلية لا تحتاج للمغامرة، فالقائمون على القطاع الخاص ما فتئوا بلوم الحكومة؛ لعدم تعاونها وبذل الكثير ووضع تشريعات تسهل عملهم، ولكن الحقيقة أن أغلب الشركات بالخاص تطمح في دعم الحكومة لها، وإلا أنها تستسلم للخسارة سريعاً، ما يعرض القطاع لانعدام الاستقرار فيه. في السنوات الأخيرة عملت الحكومات الخليجية على تحريك القطاع الخاص؛ ليساعدها على معالجة أزمة البطالة، وتبنت عددا من المبادرات لدعمه، ولكن دون جدوى. ومنذ بداية الألفية الثانية نادى الخبراء بأن أنجع الحلول لاستنهاض القطاع «الخامل» بخصخصة بعض القطاعات الخدمية في البلاد، ما يعني اعطاء قطاع كسول مشاريع حيوية، وهذا ما حدث في بعض الدول، أبرزها البحرين التي عملت بقانون الخصخصة منذ تشريعه في 2002، ولا أظنها نجحت، على أثر تذمر المواطنين من الخدمات الأقل جودة والتي تقدمها الشركة المُشترية، بل تتعمد بعض الشركات التقليل من جودتها لعلها ترغم الحكومة بدعمها، والنتيجة بالطبع سيئة. فالخصخصة إذاً لم تستنهض القطاع الكسول، ولم تنجح في إرضاء الناس، ولم تُحقق حتى ربحية، وذلك لعيب «الخاص» الذي لا يحاول أن يكون طموحا وقويا لينافس «العام»؛ لاعتقاده «بعظمة» المنافسة بينهما. أجل هناك الكثير من التحديات والمعوقات لتنمية «الخاص»، فأسواقنا النامية تحتاج الى قواعد صلبة لتثبيت الأقدام عليها. ولكن من ناحية أخرى، لو كان الخاص قويا لغيّر مفاهيم السوق لصالحه، نحتاج لتغيير ثقافة القوي، مع تهيئة قاعدة توضع عليها الأقدام وهذه تتكفلها الحكومة. ولعل أفضل حل لتنمية «الخاص» هو الاهتمام بالمشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، التي تغلب في أسواقنا، فهي العمود الفقري للقطاع، وهذه المشاريع أشبه بنبتات يجب رعايتها؛ لتكبر وتصبح أشجارا مثمرة. إن هذه المشاريع في وطننا الخليجي مظلومة، ولا تجد من يأخذ بيدها إلا فيما ندر، وجُلّ ما تحتاجه تمويل سخي يشجعها على بناء قاعدة انطلاق، وهذا الأمر بات من التحديات رغم وجود مؤسسات وطنية من المفترض أنها تقوم بهذه المهمة، ولكن يشتكي الكثير من أن هذه المؤسسات التي يقولون إنها تعاني من فساد عريض، ترفض المشاريع بشكل جزافي إلا الموصى بها، وإذا صار وقبلت فصاحب المشروع يكون تحت ضغط. كانت رحلتي الصحفية مع رواد الأعمال كفيلة بمعرفة مثل هذه الأمور، لذا فإنهم يجدون من الأفضل أن يمولوا مشاريعهم ذاتياً عن طريق الاقتراض النفعي من بنوك تجارية وتحمل أي خسارة، مما يترتب عليه انحسار المشاريع وتردد الكثير من تأسيس مشروعه، ما يسلب القطاع الخاص قوته، وبذا نعذر «خموله».