تنوعت حكايات وقصص السجناء الذين قادتهم لحظة انفعال إلى القصاص، وتورطوا مع رفقاء السوء في جلسة حشيش وسرقة كل ما خف وزنه وغلا ثمنه. الحكايات اتفقت جميعها على وجهة واحدة وهي تعدد رفقاء السوء ولحظة انفعال والتفكك الأسري. «اليوم» كانت هناك في سجن الأحساء، برفقة مدير السجن العقيد جاسر العتيبي ومساعديه، السجناء الذين التقيناهم رووا قصصهم التي اعتبروها عظة للغير، وخلصهم السجن من مصائب قد تكون أكبر، لولا لطف الله وابتعادهم عن السيئين. وخفف من وجودهم في السجن، الدورات التدريبية في المعهد المهني، ومواصلة الدراسة الجامعية والمدرسية، والاهتمام بهم من قبل الجمعيات المجتمعية الأخرى، ولكنهم مع ذلك يبقون في سجن، بعيداً عن الحرية التي لا يعرف ثمنها إلا من جرب السجن، فالجلوس مع الوالدين أثمن حرية على وجه الأرض، فكيف بمن يحرمك منها بسبب نفسه الأمارة بالسوء. سجناء المخدرات أوضح السجين (ع.ح): إنه كان يعيش وسط أسرة محافظة ومتكاتفة ومتفوقة دراسياً، وفي مراهقتي تعرّفت على شخص قادني إلى التدخين، وتصادقنا معاً، وأصبحت علاقتنا قوية، وقدم لي سيجارة الحشيش مجاناً، وعرّفني على مروّجين، وأقنعي أن الحشيش لا يقود إلى الإدمان، بل لتعديل المزاج، والبعد عن التفكير، وبإمكانك تركه متى أردت. السجين لم يصدق رواية المروّج، فالدخول في هذا العالم سهل، ولكن الخروج صعب جداً، حتى تورطت في بحر المخدرات، وكان ثمن النجاة من الغرق هو سرقة لوازم المنزل، وأمتعة أهلي ومجوهراتهم، لأبيعها من أجل الحصول على قطعة حشيش. وعندما اكتشفني أخي الأكبر الذي يعمل في القطاع العسكري، قررت الانتقام منه، فوضعت الحشيش في جيبه، واتصلت بالشرطة للإبلاغ عنه، فتم القبض عليه والحكم بحبسه وفصله من عمله. ولم يتألم قلبي لما حصل له، وأحسست بالراحة في المنزل، رغم شك الجميع فيّ. وقررت والدتي تزويجي، واختارت لي زوجة صالحة، لعلها تكون السبب في إصلاحي. ولكن إدماني للمخدرات جعلني أسرق ذهبها وأبيعه، فقد كان الحشيش يجعلني دون شعور. وكانت والدتي تحاول دائماً منعي من الخروج من المنزل من أجل البقاء بجوار زوجتي، ولكنني كنت أدفعها بالقوة حتى أنها في إحدى المرات لحقت بي فدهستها سيارة، وتركتها دون الشعور بالذنب. السجن 15عاما ويواصل السجين حكاية فصول سجنه؛ فبعد القبض عليه حُكم عليه بالسجن مدة 15عاما، للتعاطي والترويج، وتم حجزه في مستشفى الطب النفسي حتى انتهاء العلاج من الإدمان، وبعدها تم نقله إلى السجن، وطلبت زوجته الطلاق، وأمضى مدته في السجن. وحفظ من القرآن سوراً كثيرة، وكان ينتظر ما تبقى عليه من السنوات. حكم جديد بالقصاص بعد خروجه من السجن عاد ثانية إليه بالقضية نفسها، بعدما ارتبط برفقاء سوء جدد. وعندما عاد السجين (ع،ح) إلى السجن والمحاكمة، أخبره القاضي أنه سيصدر بحقه حكم قصاص، وكان وقع كلمة القاضي قوياً في أذنه، يشبه الصاعقة التي جعلته أكثر وعياً؛ فصحا من غفلته. فقد كان سبباً في تعب أهله معه، وأضاع مستقبل أخيه بنكاية وكذبة، وأحرجه مع المجتمع ومع زملائه. والآن يطلب منه أن يسامحه، وهو نادم على ضياع زوجته الصالحة. واليوم ، أنصح كل شخص من داخل هذا السجن بحسن اختيار الصديق، ولو عادت بي الحياة، سأكون مولودا من جديد، وسأحسن اختيار الصديق. رصاصة غضب يروي السجين (ر، ع) قصة قتله لشخص بريء، فقال: «عندما كنت في سن المراهقة، نشب خلاف بيني وبين أحد الأشخاص، وبسبب إهانته لي وإحساسي بالضعف، قررت الانتقام منه، لأثبت لنفسي قوتها. وذات يوم شاهدته في مكان عام فتشاجرت معه، وبسب قلة الوازع الديني والتفكك الأسري كنت أحمل مسدسا في جيبي، فأطلقت عليه رصاصات أودت بحياته، وقُبض عليّ، وصدر الحكم القضائي في حقي بالقصاص أو التنازل. وأنا أعيش الآن في هذا السجن، وأملي بالله سبحانه في تنازل أهل الدم، وأخرج لأكمل حياتي إلى الأفضل، فقد تخرجت في الجامعة وأنا في السجن، والآن أحضر حلقات تحفيظ القرآن الكريم.» الدولة تهتم بالسجين وقال مدير سجن الاحساء العقيد جاسر العتيبي: إن الدولة أعزها الله بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- وولاة الأمر، تسعى لما فيه خير البلاد والعباد، وتعتبر السجون من الجهات التي أولت لها الدولة الاهتمام؛ حيث وضعت القوانين والأنظمة المستمدة من الشريعة الاسلامية لخدمة النزلاء بالسجون، وسعت لتأهيل وإصلاح أبنائها النزلاء بكل ما أوتيت من قوة. وانطلاقاً من مبدأ التأهيل وإصلاح النزلاء، فقد حرصت الإدارة العامة للسجون_ بقيادة اللواء ابراهيم الحمزي ممثلة في إدارة السجون بالمنطقة الشرقية بقيادة العميد سعد العتيبي وبمتابعة وإشراف صاحب السمو محافظ الأحساء الأمير بدر بن جلوي- حفظه الله-_ على بذل جميع الإمكانات والطاقات لتأهيل وإصلاح النزلاء، وذلك بتفعيل مبدأ الشراكة المجتمعية مع جميع الجهات الحكومية والأهلية. وانطلاقا من هذا المبدأ تم عقد العديد من الشراكات المجتمعية مع غالبية الجهات الحكومية والأهلية بمحافظة الأحساء؛ كجامعة الملك فيصل قامت بفتح فصول جامعية للتعلم عن بُعد ونفّذت (7) دورات تدريبية ورش عمل استفاد منها (900) نزيل من خلال قسم الشراكة المجتمعية وطباعة (500) كتيب لتقارير أنشطة وبرامج السجن. وكذلك إدارة التربية والتعليم بالأحساء، قامت بِفتح المدرسة الليلية التي يدرس بها (187) نزيلا، وتنفيذ الأنشطة الطلابية التي استفاد منها (178) نزيلا. ومؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية التي قامت بِدعم مشروع تأثيث البيت العائلي بِ(128.500) ريال ودعم البرامج الثقافية بِ (8000) ريال. وغرفة الأحساء- لجنة خدمة المجتمع- التي قامت بدعم الجناح المثالي بِ (100.000) ريال، والمعهد المهني الصناعي بسجن الأحساء الذي يستوعب عدد (160) متدربا، ويوجد به عدة أقسام مهنية: (كهرباء وميكانيكا ونجارة وخياطة وحاسب آلي ودعم وصيانة أثاث السجن وإنتاج (30) درعا تذكارية لحفل ختام الأنشطة بالسجن). ومكتب توعية الجاليات بالأحساء الذي أقام (144) درسا وقد أسلم (20) نزيلا خلال عام 1435ه، ومركز التنمية الأسرية بالأحساء أقامت عدد (12) دورة تدريبية وتم من خلالها تهيئة (390) نزيلا. وإدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد التي أقامت عدد (63) محاضرة دينية بمعدل (100) نزيل في المحاضرة الواحدة. ومؤسسة الأمير محمد بن فهد بن جلوي آل سعود التي أقامت مسابقة القرآن الكريم والسنة والخطابة وقد شارك فيها (66) نزيلا وتم تكريم (29) نزيلا. وإدارة مكافحة المخدرات التي أقامت معرضا سنويا للتوعية بأضرار المخدرات والذي بلغ عدد زواره (1800) نزيل. والشؤون الصحية بالأحساء التي أقامت (5) محاضرات توعوية في الصحة العامة استفاد منها (650) نزيلا. وهيئة الهلال الأحمر التي أقامت عدد (5) دورات في الإسعافات الأولية واستفاد منها (400) نزيل. وجمعية نقاء لمكافحة التدخين الخيرية قدمت العلاج للراغبين بالإقلاع عن التدخين وعدد النزلاء المستفيدين والمقلعين عن التدخين (6) نزلاء. وجمعية البر الخيرية بالأحساء أيضا لها جهود مباركة. وكشف العتيبي عن أن إدارة السجن ستعقد شراكة مع جامعة الملك فيصل من أجل تقديم برامج ودورات تدريبية لبعض نزلاء السجن من أجل تأهيلهم واستقامتهم ومساعدتهم على مسيرة الحياة بعد الخروج من السجن، وستُقدم البرامج- وفق أسس مدروسة- لمجموعة من السجناء يُبحث فيها عن سماتهم الشخصية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية. ووفق الدراسة لكل مجموعة تُحدد تفاصيل البرنامج. وسيساهم هذا البرنامج في محاولة عدم تأثُّر النزلاء الجدد بأصحاب السوابق الأخرى وإضافة الوعي خصوصاً لمن هم تحت سن العشرين عاما لمدة ثلاثة شهور إلى ستة شهور. وسيتم بعد ذلك تقييم البرنامج من قبل المستفيدين ومدى تأثيره عليهم. وأوضح أن قضايا المخدرات تحتل النسبة الاكثر والتي تنوعت ما بين تهريب وتعاط وترويج. وأوضح مدير شعبة أمن السجن النقيب ناشي بن ناصر القحطاني أن الإجراءات المتبعة لدخول كل نزيل إلى السجن العام؛ هي دخول النزيل إلى جناح الاستقبال لمدة (ثلاثة أيام) لعمل تحليل للتأكد من خلوّه من الأمراض المعدية، بعدها يتم نقله من جناح الاستقبال إلى الجناح أو العنبر حسب تصنيف قضيته؛ حيث يحتوي السجن على عنبرين لقضايا المخدرات؛ لأنها من أكثر قضايا النزلاء في وقتنا الحالي. ومجموعة أجنحة من القضايا المختلفة منها: (السرقات والاخلاقيات والمضاربات والسكْر والحقوقية)، إضافة إلى وجود عنبر مثالي يتواجد فيه عدد (79) نزيلا يتم اختيارهم من قبل لجنة مخصصة، حيث إنهم يكونون من خيرة النزلاء ويتحلون بالأخلاق والالتزام بعدم التدخين، علماً بأن كل جناح وعنبر مخصص، فيه تشميس للنزلاء. كما يستفيد النزلاء المتزوجون من برنامج اليوم العائلي خارج السجن ممن تنطبق عليهم الأنظمة والتعليمات، وهناك برنامج للزيارة العائلية داخل السجن، كذلك هناك برامج دينية وثقافية واجتماعية تشرف عليها ادارة السجن بالتنسيق مع عدة جهات حكومية، كذلك تقوم إدارة الخدمات الطبية بتقديم الرعاية الصحية لكل نزيل والإشراف المباشر على تقديم العلاج والمساعدات. ونقوم بدورنا بتهيئة الجو المناسب والمكان المناسب لفئة النزلاء المعاقين، ويتم متابعة حالتهم باستمرار وبصفة يومية، كما يتم الإشراف على الأطعمة المقدمة للنزلاء من قبل متخصصين في التغذية. وأوضح رئيس شعبة الإصلاح والتأهيل بسجن الأحساء النقيب معتز الدراج، أن عدد السجناء الملتحقين بالمدرسة بلغ 167طالبا، منهم 38طالبا بجامعة الملك فيصل عن طريق التعليم عن بُعد، ويكون ذلك دون مقابل من قبل الجامعة. وأشار الدراج إلى أن شعبة الإصلاح يتفرّع منها العديد من الأقسام؛ ومنها: تفعيل دور السجين ليكون عنصرا فعالا في المجتمع والاستفادة من كسب الخبرة ومكافأة مالية من قبل المعهد المهني بمبلغ 800 ريال. وأشار الأخصائي الاجتماعي بإدارة سجن الأحساء محمد القحطاني إلى أنه يتم استقبال جميع النزلاء الجدد وعمل استمارة مقابلة وملف خاص لكل نزيل، ومن ثم يتم تقديم المساعدات لأسر النزلاء المتزوجين وعمل دراسة حالة للنزلاء صغار السن وأرباب السوابق ومن لديهم أمراض نفسية، ومتابعة حالتهم وتقديم العلاج المناسب من خلال مستوصف السجن أو إرسالهم لمستشفى الصحة النفسية وتقديم المساعدات لأسرهم وللنزيل شخصيا، وذلك عن طريق الجهات ذات الاختصاص. وكذلك للأخصائي الاجتماعي بالسجن أدوار كثيرة؛ منها: حث النزلاء للالتحاق بالبرامج الإصلاحية ومتابعتهم والجلوس معهم وحل مشاكلهم، وكذلك عقد الدورات والمحاضرات داخل السجن بما يعود بالفائدة على النزلاء، بالإضافة إلى الأعمال الإدارية وعمل التقارير والإحصائيات والمرئيات عن النزلاء. المعهد المهني ويحتوي السجن على المعهد المهني الصناعي بإدارة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وتبلغ مساحته 1000متر مربع، ويحتوي على سبعة أقسام مهنية وتقنية توفر التدريب المهني والتقني لنزلاء سجن الأحساء، والذي يأتي استمرارًا لجهود المديرية العامة للسجون في الارتقاء بمستوى السجون وتأهيل السجناء تعليميًا ومهنيًا وصحيًا ودينيًا. ومن جهته، ذكر مدير المعهد المهني بالأحساء المهندس عبدالرحمن الذكرالله أن هناك رغبة كبيرة من السجناء في الالتحاق بالمعهد المهني بالسجن، فقد بلغ 160 طالبا في سبعة تخصصات: كهرباء انشائية وتبريد وتكييف وسيارات بنزين ونجارة وخياطة وحاسب آلي وصيانة الاجهزة المرئية والسمعية. فالسجين يرغب في الدخول للمعهد من أجل تفريغ طاقته الكامنة في أمور مفيدة، وهذا أمر إيجابي. كما أنه يكتسب مهارة مهنية تفتح له آفاقا تمكّنه من العمل بعد إطلاق سراحه. وهناك العديد من المتدربين من خريجين فرع السجن أصبحوا اليوم من أفضل الموظفين وفي شركات حكومية عريقة. وأشار إلى أنهم يقومون بالتدريس للسجناء المتبقي من حكمهم سنتان، وذلك من أجل أن تظل الحرفة والمهنة متزامنة معه بعد خروجه من السجن، ويستطيع ان يعمل في الشركات الاهلية أو المشاريع الخاصة. فالشهادة لا يُسجل بها انها من فرع السجن كما انه يستطيع التطبيق بالمعهد العام بعد خروجه من السجن. ونحن نؤكد دائما للطلاب بالحضور للمعهد العام بعد خروجهم من السجن لكي نساهم في البحث لهم عن وظائف. وذكر (م ك) بالمعهد المهني بالسجن قائلا: إن قضيتي لدخول السجن كان بسبب سرقة، وسبب التحاقي بالمعهد المهني هو الفراغ داخل السجن الذي يجعلك تتمنى ساعات الدوام بالمعهد مدة أطول، كما أن الوجود في السجن دون عمل يجعلك إما أن تفكر في المستقبل أو إرهاق نفسك في التفكير في الماضي إذا فكرت في المستقبل، فأول ما تفكر به بعد الخروج من السجن الحصول على وظيفة لكي تنفق على نفسك، لكون المعهد يدربني ويمنحني شهادة التحق بها. وذكر أحد خريجي المعهد المهني بالسجن (ع ن) قائلا: لقد قضيت أربع سنوات في السجن بسبب قضية أخلاقية، وقد التحقت بالمعهد المهني في السنة الثانية بتخصص سيارات بسبب عشقي لفك وتركيب المحركات، وسرعان ما وجدت نفسي تمكّنت من المهنة. أصبح لديّ دافع الخروج من السجن في أسرع وقت من أجل العمل في إحدى الورش لكي أفرّغ بها طاقتي وأقضي بها وقتي. وعندما خرجت من السجن، سرعان ما وجدت وظيفية بمهنة ميكانيكي في إحدى الورش بسبب عدم إقبال السعوديين على هذه المهنة وقد تزوّجت واشتريت سيارة بفضل هذه المهنة. أثناء حديث السجناء بالهاتف أثناء لعب أحد السجناء تنس الطاولة مع مدير السجن يمارس السجناء لعبة البلياردو حلقات تحفيظ القران في مسجد السجن