يطرح الروائي خالد الذييب من خلال روايته «عفريت من الجن» الصادرة عن دار المفردات للنشر والتوزيع بالرياض عام 1434ه فكرة (الصراع بين الخير والشر) بقالب ساخر، فكه، عابث، قوامه التعبيرات والألفاظ الدارجة على ألسنة عامة الناس التي تتراوح بين (العامي والفصيح) والمتسمة أحياناً بازدواجية اللغة في خطابنا الثقافي الراهن، (اللغة الأدبية) بنخبويتها، و(لغة الشارع) أو اللغة المحكية اليومية بخصوصيتها الإقليمية ذات الطابع اللهجي المحلي، كي يضفي على أسلوبه طابعا (نكتيا) قوامه النكتة اللغوية، وليس نكتة الموقف. وفي كلتا الحالتين حاول الكاتب أن يكون قريباً جداً من قارئه بأسلوب مبسط، قادر على المزاوجة بين المستويات اللغوية المتعددة، والمراوحة فيما بينها (فصيح، معرب، شعبي، لغة وسطية بينها). وعلى الرغم من كون (فكرة الصراع بين الخير والشر) فكرة ليست بجديدة على أدبنا العربي، لا بالنسبة لكتابها، ولا بالنسبة لقرائها، بل حتى في المجالات الإبداعية الأخرى من فنون السينما والدراما والمسرح وغيرها، إلا أن (الذييب) قد حاول من خلال عمله هذا استثمارها من جديد، وذلك باستغلاله وتوظيفه لعنصر الإثارة والتشويق والإبهار والإدهاش في النص المكتوب أو المقروء،القائم أساساً على التقنيات التقليدية للحبكة القصصية وتعقيداتها المتعمدة، والتفنن باستخدام أدواتها وفنياتها المتعددة، من تصرفات الشخوص، وسلوكياتها وبيئتها المحيطة وهيئاتها الموغلة في الغرابة والخروج عن السائد والمألوف، ومن (افتعال) المواقف التي حرص الكاتب– وبشكل واضح ومتعمد- على حشدها في اتجاه معين، رغبة منه في ( تعقيد) المواقف والصور، وتداخلها حتى تصل في نهاية الأمر إلى ما يعرف ب(العقدة) كما يسميها نقاد القصة أو الرواية، والتي لابد وان تنتهي بما يعرف ب (الحل) أو لحظة التنوير كمصطلح نقدي قصصي أيضاً يعني الحاجة الماسة لنهاية القصة كاملة برمتها، مهما كانت نتيجة هذه النهاية إيجاباً أو سلباً!!. تمثل هذا كله في نموذجين لعالمين مختلفين عن بعضهما تماماً هما (عالم الجن) و (عالم الإنس) والعلاقة فيما بينهما، وتأثير كل منهما على الآخر. وهذا الاختلاف الفطري أو الطبيعي الحسي والمعنوي بين مخلوقات هذين العالمين، والتنافر بينهما على أرض الواقع البشري المَعِيش هو ما جعل منه الكاتب الركيزة الأساسية التي تقوم عليها فكرة عمله هذا. ولذلك كان من الطبيعي أن يستغل الكاتب هنا اختلال بنية أهم عنصرين في (أدب الواقعية) ألا وهما (الزمان والمكان) أو (الزمكان)كي تتاح له الفرصة المناسبة لتجاوزهما والتحرر من قيودهما الصارمة المؤطرة لفاعليتهما، ومحدوديتهما بمفهومنا التقليدي- نحن كبشر- لهذين العنصرين. لقد كان هذا الاختلال- فعلاً- من شأنه ان يُمكِّن الكاتب من إطلاق العنان لخياله كيف يشاء، بحيث أصبح (الزمن) بالنسبة إليه زمناً (فنياً) وليس حقيقياً، كما أصبح (المكان) أيضاً بالنسبة إليه مجرداً من جغرافيته الحقيقية على أرض الواقع، ليكون خيالياً أو وهمياً. وتتلخص قصة هذه الرواية في وجود رجل قابع في منزله بمفرده ذات ليلة حيث يتفاجأ بخروج (عفريت) أمامه فيوسوس له، ويستحوذ على تفكيره ومشاعره، ويسيطر على حركاته وسكناته، ليخبره في نهاية الأمر عن تاريخ وفاته. وهذا ما جعل الرجل (بطل القصة) يصعق لهذا الخبر الفادح الذي أخافه وأرَّقه وأقلقه وقتاً طويلاً حتى ساءت حالته النفسية والصحية، وضاق ذرعاً بالحياة وأهلها، منتظراً الموت الذي هو النهاية الحتمية لجميع المخلوقات، لدرجة أن هذا الرجل قد أخذ يراجع نفسه بدقة، استعداداً للرحيل عن هذه الدنيا، ليتقرب إلى الله- تعالى- ويطلب العفو والسماح من جميع من يرتبط معهم بأية علاقات إنسانية أو اجتماعية كأقاربه وأصدقائه وزملائه في العمل، أو أي أشخاص آخرين أساء لهم سواء كان ذلك عن حسن نية أو كانت إساءة مقصودة، لعل في ذلك تكفيراً له عن سيئاته، وزيادة رصيده من الحسنات عند الله سبحانه وتعالى. ولكن عند هذه النقطة التي صدم بها الكاتب قارئه منذ الثلث الأول لصفحات الرواية أظن القارئ ليس في حاجة لأن يكمل قراءة ما تبقى من صفحات الرواية حتى يعرف نهايتها، وكأن الكاتب قد سلم القُرَّاء مفتاح( حل اللغز) بشكل مبكر جداً نظراً للتقارب الشديد الذي احتل المساحة الواقعة من الرواية بين (العقدة) كعنصر فاعل يجب أن يمتد لمسافة كافية ناحية ذروة تأزم الموقف، وبين (الحل أو لحظة التنوير) التي هي خاتمة القصة، مهما كانت نتائجها وأسبابها. وهذه الإشكالية الفنية التي وقع فيها الكاتب– سواءً علم بها أم لم يعلم- هي ما سيجعل كثيراً من القراء الحاذقين- في رأيي الشخصي- يعرفون نهاية القصة منذ بداية قراءتهم لصفحاتها الأولى، خاصة وأنها تتحدث عن موضوع يؤمن به جميع المسلمين ونتيجته الحتمية معروفة بالاعتقاد والايمان بوقوعه مستقبلا، عاجلا أو آجلا، ألا وهو القضاء والقدر، والحياة والموت، وغيرها مما يدخل في غيبيات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وحده، عموما أقل ما يمكن أن أقوله ان العمل محاولة تستحق القراءة. حمد الرشيدي