تبنى تنظيم "قاعدة اليمن" امس الهجوم على صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة مؤكدا انه ثأر به للنبي محمد، وقال المتحدث باسم التنظيم ناصر بن علي الآنسي في رسالة مصورة تحت عنوان "ثأرا لرسول الله، رسالة بشأن غزوة باريس المباركة"، "انتدب الابطال فلبوا ووعدوا فوفوا فشفا الله بهم صدور المسلمين"، وصدر أمس عدد جديد من مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية يتضمن رسما كاريكاتيريا مسيئا للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وطبعت منه ثلاثة ملايين نسخة لتوزيعها في أكثر من عشرين دولة، وانتقد مستشار رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا شارلي إيبدو، وقال: إنها تستفز المسلمين بإعادة رسم كاريكاتير متخيل للرسول الكريم، وحذر مسلمي العالم مما وصفه بهذا الفخ، وقالت دار الافتاء المصرية: ان نشر الرسوم المسيئة يعمق مشاعر الكراهية والتمييز بين المسلمين وغيرهم، واعتبرت واشنطن أن الصحيفة لها الحق في ذلك، فيما قالت كندا: إن الدول الخمس التي تشكل شبكة رائدة لتبادل معلومات المخابرات في العالم ستجتمع في لندن الشهر المقبل للتشاور بشأن استراتيجيات مكافحة الإرهاب في أعقاب هجمات باريس. إعادة الرسومات المسيئة ونشرت الصحيفة على الصفحة الأولى للعدد الذي أعده "الناجون" من فريق تحريرها رسما، يرمز للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بلباس أبيض يذرف دمعة حاملا لافتة كتب عليها "أنا شارلي" تحت عنوان "كل شيء مغفور". وقال رينال لوزييه الذي رسم الصورة للصحفيين في مكتب الصحيفة المؤقت بمقر صحيفة ليبراسيون اليسارية: "كتبت كل شيء مغفور وبكيت". وأضاف: "هذه صفحتنا الأولى، ليس هذا ما كان الإرهابيون يريدوننا أن نرسمه". ومضى يقول "لست قلقا على الإطلاق، أثق في ذكاء الناس وذكاء الدعابة". والعدد الذي صدر امس هو الأول للصحيفة منذ تعرض مقرها في باريس لهجوم الأسبوع الماضي، أودى بحياة 12 شخصا، وتمت ترجمة العدد إلى عدة لغات منها العربية والتركية، يشار إلى أن الصحيفة لم تطبع في تاريخها أكثر من ستين ألف نسخة. تأييد امريكي وقالت الولاياتالمتحدة: إن صحيفة شارلي إيبدو الساخرة لها الحق "تماما" في نشر صور للنبي محمد في عددها الجديد رغم احتجاج المسلمين. وقالت ماري هارف نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: إن واشنطن تدعم حق شارلي إيبدو في نشر الرسم. وأضافت: "بغض النظر عن الرأي الشخصي لأي كان، وأنا أعترف بأن هناك آراء شخصية محتدمة جدا حول ذلك، فإننا ندعم تماما حق شارلي إيبدو في نشر أشياء مثل هذه". وأضافت: "ومرة أخرى نقول إن هذا هو ما يحدث في أي ديمقراطية". وتابعت "نحن ندعم بشكل مطلق حق هذه المنظمات في النشر بحرية". احتجاجات وندد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين باعادة نشر صحيفة شارلي ايبدو رسوما للنبي محمد، معتبرا ان هذه الخطوة "ليست من الحكمة" و"تساعد المتطرفين". وقال الاتحاد في بيان: ان "قيام مجموعة من الصحف ووسائل الإعلام بإعادة نشر الرسوم المسيئة والأفلام السيئة حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - والهجوم على الإسلام أو المسلمين، ليس من العقل ولا المنطق ولا الحكمة". واضاف الاتحاد: "اذا اتفقنا بأن هؤلاء المتطرفين "وهم قلة" لا يمثلون الإسلام والمسلمين، وأنهم يقتلون من المسلمين أكثر من غيرهم، إذن كيف يرد على تصرف هؤلاء المتطرفين بتصرفات ليست ضدهم بل ضد رسول الرحمة للعالمين، ورسول يؤمن به حوالي ملياري نسمة... وهم مستعدون للتضحية بأنفسهم في سبيله". واعتبر الاتحاد ان ذلك "ليس من العدل ولا الانصاف ولا المنطق السليم". تصرفات رعناء كما اعتبر الاتحاد ان اعادة نشر رسوم يعتبرها المسلمون مسيئة هي "تصرفات رعناء تساعد المتطرفين"، اذ تعطيهم "المصداقية بأن الغرب أو غير المسلمين هم ضد الإسلام ورسوله وضد المسلمين". كما يساعد هذا التصرف بحسب الاتحاد "التطرف والتشدد ويزيد من الاحتقان الشديد والكراهية وعدم الثقة"، و"يسد الطريق على جهود المصلحين المعتدلين لأن عامة الناس لا يصدقونهم، وإنما يصدقون هؤلاء الإرهابيين الذين يستغلون نشر هذه الرسوم والأفلام المسيئة لأفكارهم المتطرفة". وبحسب الاتحاد فان السببين الرئيسيين للتطرف هما "الدكتاتورية والاستبداد... منذ ايام الاستعمار" و"القضية الفلسطينية". تأجيج المشاعر واعتبر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر أن نشر تلك الرسوم سيؤجج مشاعر الكراهية ويرسخ ثقافة الكراهية، ولا يخدم التعايش السلمي بين الشعوب، ويحول دون اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية، كما اعتبر مفتي مصر شوقي علام أن نشر رسوم مسيئة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فعل عنصري يؤجج الصراع بين الشعوب. وقالت دار الإفتاء المصرية في بيان لها: إن هذا العدد سيتسبب في موجة جديدة من الكراهية في المجتمع الفرنسي والغربي بشكل عام، وأن ما تقوم به المجلة لا يخدم التعايش وحوار الحضارات، كما أنه يعمق مشاعر الكراهية والتمييز بين المسلمين وغيرهم. وأضافت: إن إقدام المجلة على هذا الفعل هو استفزاز غير مبرر لمشاعر مليار ونصف المليار مسلم عبر العالم. بدوره، دعا وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني يوسف إدعيس فرنسا للضغط على المجلة ومنع إعادة نشر رسوم متخيلة مسيئة للرسول الكريم، لافتا إلى أن المسلمين أدانوا الهجوم الذي تعرضت له شارلي إيبدو ولم يقبلوا به. استفزاز المسلمين أما تهامي بريز مستشار رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا فانتقد شارلي إيبدو، وقال: إنها تستفز المسلمين بإعادة رسم كاريكاتير متخيل للرسول الكريم، وحذر مسلمي العالم مما وصفه بهذا الفخ، والاكتفاء بالإدانة من خلال الطرق الحضارية. كما أعرب عميد مسجد باريس دليل بوبكر و"تجمع مسلمي فرنسا" عن قلقهما إزاء تزايد الهجمات ضد المسلمين، ودعوا السلطات الفرنسية إلى "السهر على أمن المساجد"، وفق بيان مشترك. من جهته، قال رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا عبدالله بن منصور: إن المسلمين سيتألمون من إعادة رسم كاريكاتيري متخيل للرسول - عليه الصلاة والسلام - متوقعاً عدم وقوع ردود فعل حمقاء. تحالف العيون الخمسة وقال وزير الأمن العام الكندي ستيفن بلاني: إن تحالف العيون الخمسة الذي يضم الولاياتالمتحدة واستراليا وكندا وبريطانيا ونيوزيلندا قرر عقد اجتماع يوم 22 يناير. لكن مسؤولا بالحكومة الكندية قال: إن الدول الخمس ستجتمع بالفعل في لندن خلال شهر فبراير. وتعليقات بلاني غير معتادة، إذ أن أعضاء شبكة العيون الخمسة نادرا ما يتحدثون عن نشاطهم. وقال بلاني لتلفزيون سي.تي.في: "سنعقد اجتماعا مع حلفاء العيون الخمسة في لندن... سيكون الإرهاب" على جدول الأعمال. ولم يكشف بلاني عن أي تفاصيل تتعلق بالاجتماع، لكنه قال إن وزير الأمن الداخلي الأمريكي جيه جونسون سيحضر الاجتماع. وعلى نحو منفصل قال مسؤول بالحكومة الكندية: إن الاجتماع كان مقررا قبل هجمات باريس. وأضاف المسؤول: "تجتمع العيون الخمسة بانتظام لمناقشة المخاوف والأساليب المشتركة." من جهته، يبحث الاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير جديدة من شأنها تعزيز مكافحة ما يسمى الإرهاب، وسط تحذيرات من وقوع هجمات جديدة، ولا سيما مع وجود ما بين ثلاثة وخمسة آلاف أوروبي يقاتلون في سوريا أو العراق، وفق تقديرات مسؤولين أوروبيين. ومن المتوقع أن يسفر اجتماع وزراء خارجية الاتحاد يوم 19 يناير الجاري، واجتماع وزراء الداخلية يومي 28 من الشهر نفسه و12 فبراير المقبل، عن بلورة التدابير الإضافية التي تمت مناقشتها خلال اجتماع وزراء داخلية الاتحاد، والذي عقد بناء على طلب من فرنسا يوم الأحد الماضي بمشاركة 11 وزير داخلية أوروبيا ونظيرهم الكندي ووزير العدل الأمريكي. ومن التدابير الجديدة التي سيلجأ إليها الاتحاد نظام يسمى سجل معلومات المسافرين "بي.أن.آر"، وهو نظام تبادل المعلومات حول المسافرين على الطائرات الأوروبية أو المتجهين إلى المدن الأوروبية، وهذا النظام ينتظر الموافقة في البرلمان الأوروبي منذ ثلاث سنوات. وكانت المفوضية الأوروبية هي التي أعدت هذا النظام الذي لاقى اعتراضا كبيرا من قبل الاشتراكيين والليبراليين والخضر واليساريين داخل البرلمان الأوروبي، بدعوى أنه ينتهك الخصوصية ويخالف القوانين. أما الآن فتعالت المناشدات المطالبة بتطبيق هذا النظام لحفظ الأمن العام، ولا سيما بعد الهجمات الأخيرة في باريس. وبموجب النظام الجديد، تلزم شركات الطيران بوضع بيانات المسافرين في نظام رقمي، بحيث تكون الأجهزة الأوروبية على معرفة بكل شخص يدخل أو يخرج أو يعبر الفضاء الأوروبي. تحذيرات وحذر المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دوكيرشوف في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية من مغبة وقوع هجمات جديدة، ومن مخاطر انتشار ما وصفها بالأفكار المتطرفة في السجون. وقال المسؤول البلجيكي في المجلس الأوروبي: إن "خطر وقوع اعتداءات جديدة لا يزال كبيرا"، لكنه شدد على ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية تجنب تكرار الهجمات. أما مدير منظمة الشرطة الأوروبية "يوروبول" روب وينرايت فاكد أن القارة الأوروبية تواجه أكبر تهديد أمني منذ أكثر من عشر سنوات، وقدر عدد الأوروبيين الذين انضموا إلى القتال في سوريا أو العراق بنحو خمسة آلاف، مضيفا أن منظمته جمعت قاعدة بيانات 2500 مشتبه به. وأقر وينرايت أمام لجنة برلمانية بريطانية بأن وكالة الأمن تواجه "فجوة في القدرات" يمكن أن تترك بلادها في خطر. وأضاف المسؤول الأوروبي: إن يوروبول نقلت "60 خيط معلومات مخابرات عاجلة" إلى الشرطة الفرنسية بعد هجمات باريس الأسبوع الماضي.