من أجمل ما كتبه مرسي جميل عزيز وأنشدته فيروز قصيدة (لم لا أحيا) قصيدة ممتلئة بالحياة والنور. أبيات قليلة لكنها ترسم للانسان مساراً جميلاً في الحياة؛ كما يجب أن تكون الحياة. يبدؤها الشاعر باستفهام انكاري يوجهه لنفسه ولكل من يتساءل عن جدوى الحياة بمجرد أن تعترضه فيها بعض الصعاب. بل إن بعضهم قد لا يعاني كما يعاني غيره من الناس من هموم كثيرة ومتنوعة ومع هذا يظل معترضاً وساخطاً ولا يعرف كيف يعيش ويقيّم هذه الهبة الإلهية العظيمة وهي الحياة. هذا النوع تجده لا يحسن التعامل مع الحياة ويجهل الطريق الذي يأخذ بيده إلى التوازن بين ما هو له وما هو عليه، وبين ما يمكنه أن يتدخل فيه بفكره وعمله ليغيره وما هو قضاء وقدر لا يتبدل! وقد منحنا الله القدرة على ذلك ولكن تفعيلها هو أحد أدوارنا في الحياة لذا ينجح بعض، ويخفق بعض آخر رغم كل ما منحنا إياه الله للوصول إلى ذلك. يقول الشاعر: (... إن أردت السر فاسأل عنه أزهار الخميلة) إن الإجابة التي قرأها الشاعر على ورق الورد لم تكن متوهمة، أو مجرد هذر شعري! بل هو حقيقة حياتية تطبقها الوردة كل يوم أمام أعيننا بإذن ربها لنتعلم. فماذا قرأ الشاعر؟ عمرها يوم وتحيا اليوم حتى منتهاه سوف أحيا سوف أحيا تلك الورود التي نتهادى بها فرادى أو باقات ما أن تنزع من أرضها إلا وندرك جميعا أن هذا إيذان بموتها القريب، ولكنها تقاوم وهي في طريقها للنهاية حتى تضفي مزيداً من الجمال في أي مكان سيحتضنها في ساعاتها الأخيرة حيث تمنحنا جمالاً ما بعده جمال في زاوية هنا، أو على مائدة هناك، أو لمحة جمالية فاتنة في شعر إحدى الجميلات. أو رسالة من قلب إلى آخر تحمل حباً يتلون وفقاً لسبب الإهداء والأجمل أن هذا الحب المبذول على هيئة وردة هو حب يحيا ويبقى ويطول عن عمر الوردة إذ يمتد أثره بامتداد بقاء الود في القلوب. إن الشاعر يبدأ قصيدته بهذه الفكرة حين قال: لم لا أحيا وظل الورد يحيا في الشفاه ونشيد البلبل الشادي حياة لهواه لم لا أحيا وفي قلبي وفي عيني الحياة سوف أحيا سوف أحيا يا رفيقي نحن من نور إلى نور مضينا ومع النجم ذهبنا ومع الشمس أتينا لقد منح الإنسان أعظم ما وهبه الله لجميع مخلوقاته، ومع هذا تجده يجهل قيمة ما لديه فيسيء لنفسه أو غيره وقد يتمادى في ذلك إلى أبعد حد. مع أنه لو تفكر في حاله أو بما حوله لوجد كثيراً من الدروس التي قد تحيي قلبه وعقله ليحسن التعامل مع نفسه، وما، ومن حوله. والشاعر في تلك الأبيات وجد في الوردة -الضعيفة الرقيقة التي قد لا يتجاوز عمرها يوما واحداً- درساً عظيما فهي وإن ماتت يبقى ظلها حياً في الشفاه بابتسامة تحف ذكرى تتجدد من حين لآخر عن حكاية قالتها لنا وردة ما في لحظة ما. ووجد درساً آخر في نشيد البلبل الذي تمتد حياته بامتداد بقاء جمال صوته في أذن من يستمع له مرة بعد مرة. فكيف لا نحيا؟ ولماذا يصر بعضنا على ارتداء أكفانهم ومازالت الحياة ترفرف في قلوبهم وفي أعينهم؟! وكيف لا يجعلهم كل ذلك يقاومون أكثر ويعزمون على الحياة كما تستحق ويرددون: سوف أحيا طالما أضاء نور الله في القلب أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا؟ إن نور الله في القلب وهذا ما أراه سوف أحيا سوف أحيا يا رفيقي ليس سراً أن أيامي قليلة ليس سراً؛ إنما الأيام بسمات طويلة إن أردت السر فاسأل عنه أزهار الخميلة عمرها يوم وتحيا اليوم حتى منتهاه سوف أحيا سوف أحيا الظلام فيك. والنور فيك، وأنت من يختار تحت أيهما يحيا، وأنت من يوازن بين ما تريد وما لاتريد، وأنت من يختار مع أي منهما ستقضي الشطر الأكبر من حياتك لتكون حياة حية، أو حياة ميتة انطفأ فيها نور قلبك، فإما أن تعيش مثل الوردة جميلة في ذاتها ومانحة للجمال والطيب لمن حولها رغم عمرها القصير، أو تموت حياً بظلام قلبك الذي يصبغ بالسواد كل ما حوله. * كاتبة