حين ضربت فضيحة رشاوي سياسية مشهورة في البرازيل قبل عدة أعوام، اتفقتُ أنا وصديقي على اختيار أسوأ الفضائح في البرازيل. وقع اختياري على فضيحة «مينسالاو»، التي كانت عبارة عن فضيحة رشاوى شارك فيها بعض أعضاء الكونجرس البرازيلي، وأدت إلى إدانة 25 شخصا من كبار رجال الصناعة وعدد من كبار المسؤولين السياسيين، وكادت أن تطيح بالرئيس لويز إيناسيو لولا دا سيلفا. واختار صديقي فضيحة الإنفاق على برامج لا فائدة منها لشراء الأصوات الانتخابية، وهو البرنامج الذي طبقه كاردوسو، الرئيس السابق قبل دا سيلفا لشراء الأصوات من أجل إعادة انتخابه. لكن تبين أننا كنا نحن الاثنين على خطأ. لا يوجد شيء في البرازيل يمكن مقارنته بأعمال النهب والسلب في بتروبراس، شركة النفط الوطنية. الأضرار تتجاوز بكثير مبلغ مئات الملايين من الدولارات التي اختلسها المسؤولون الفاسدون من عقود التوريد التي بلغت قيمتها 23 مليار دولار مع شركة النفط التي تديرها الدولة، والتي كانت بمثابة آلة لتوليد النقدية صندوق غير شرعي لتمويل الحملات الانتخابية. سمعة هذه الشركة الضخمة أصبحت حطاماً، بعد أن تم تحويل 39 شخصاً من التنفيذيين والمسؤولين الحكوميين السابقين للمحاكمة، بتهم تتعلق بتضخيم الفواتير والرشاوي وغسل الأموال. الفضيحة التي أصبحت تعرف باسم «بترولاو» كادت أن تكلف رئيسة ديلما روسيف خسارة إعادة الانتخابات، وأثارت الفزع بين المستثمرين، وحولت الدولة الواعدة من أمس بين الأسواق الناشئة إلى مستنقع في أمريكا اللاتينية. إن المبالغ التي دخلت في فضيحة بتروبراس مذهلة فعلا. تقول الشرطة الفدرالية: إنه تم تحويل مبالغ تصل إلى 3.9 مليار دولار إلى الخارج في عمليات مشبوهة. وتقو:ل إن الشبهة تحيط أيضا بمجموعة من المقاولات والعقود بقيمة 22 مليار دولار. ويقدر بنك يو بي إس أن الأضرار التي ستصيب قيمة الشركة في السوق (نتيجة لفضيحة الفساد) تتراوح ما بين 10 مليارات إلى 15 مليار دولار. من السهل البحث عن الوصمة المنتشرة في البرازيل ونهز أكتافنا. ذلك أن أعمال النهب في بتروبراس لم تُكتشَف إلا عن طريق الصدفة، حين قامت الشرطة الفدرالية بالتحقيق في بعض أعمال الصرافة المشبوهة في إحدى محطات البنزين. عندها فقط اكتشف المحققون عجائب التحايل والفساد وغسل الأموال، حيث كان الفاسدون والمقامرون الذين ينفقون كميات كبيرة من المال يستبدلون الريالات البرازيلية المسروقة بالدولارات ويقومون بتهريبها إلى حسابات في البنوك السويسرية. بالمثل، كشف النقاب عن فضيحة «مينسالاو» في منتصف 2005 – 2006، ليس بفضل المحققين المنهمكين في أداء واجبهم، وإنما بفضل حليف صغير في تحالف لولا في الكونجرس الذي أطلق جرس الإنذار حين تعرضت عصبته السياسية السرية للخديعة في صفقة للحصول على المال مقابل الأصوات. يقول جيل كاستيلو برانكو، وهو اقتصادي يدير المجموعة الرقابية الحكومية كونتاس ألبيرتاس (السجلات المفتوحة): «لم يتم كشف أي فضيحة من فضائح البرازيل في السنوات العشر الأخيرة نتيجة لآليات مكافحة الفساد في البرازيل.» الأمر الجيد في هذا المهرجان من الجريمة عمل بصورة متأخرة على إنعاش الديمقراطية الناعسة وإعادتها إلى الحياة، وحرك الرأي العام، وتناولته الصحافة بصورة واسعة، وأدى إلى تطبيق ترسانة من آليات مكافحة الفساد، وهي آليات تعمل الآن بقوة غير عادية وكفاءة متميزة. البداية كانت من عملية أطلق عليها «عملية غسل السيارات»، التي كانت تركز على تكثيف التحقيقات في الفساد عبر الحدود فيما يخص بتروبراس. استحوذت الشرطة الفدرالية على عدة أصول، وسجنت المتهمين. وحول ممثلو النائب العام عدداً من المجرمين الذين اعترفوا بذنوبهم إلى شهود لصالح الدولة. وتقوم وحدة الجرائم المالية في وزارة المالية بمطاردة خط الأموال الإلكترونية من مكاتب أكبر شركات المقاولات في البرازيل إلى البنوك في سويسرا. وهناك القاضي الفدرالي سيرجيو مورو، الذي أصبح مشهوراً على المستوى القومي، وهو متخصص في الجريمة المنظمة، كما أن المحكمة العليا لعبت دوراً بارزاً في هذا المجال.