عبارة "أنا مليت" هي تعبير رددناه جميعاً في لحظات معينة، وهذه الحالة الشعورية التي نسميها "الملل" هي اختلال واضطراب في معدلات "الرغبة" داخلنا. وقد يتطور الوضع إلى انخفاض حاد كالذي يحكيه أنيس منصور بقوله : (الذي يمل أو يتململ هو إنسان لا يرغب حتى في الرغبة)، وإذا أردنا أن نقرأ حالة الملل كظاهرة فعلينا العمل على تحليل وتتبع الرغبات . "الملل" حالة إجهاد روحية تجعل النفس غير قادرة على الحراك، وما أجمل الوصف الذي وصفه جبران خليل جبران للملل عندما قال: (الملل نعاس روحي)، والغريب أن هذا الإجهاد على خلاف الإجهاد البدني، فقد يأتي إجهاد الروح دون جهد، وقد يصيبها النعاس الروحي بعد أن أخذت قسطاً طويلاً من الراحة والنوم . الشعور بالملل يجعلنا في حالة "توتر" لأننا فقدنا الهدف الغريزي المحرك لنا، فعندما نكون تحت وطأة الملل فنحن في لحظات تيه عن الغريزة التي تقربنا من المتعة. عندما نريد أن نتحول لكائنات مقاومة للملل فعلينا أن نمتلك سلة متنوعة من الأعمال، وكما يقول مصطفى محمود : (الملل عقوبة الطبيعة لمن لا يعمل)، والذين لا يعملون هم من أشد الناس مللاً حتى ولو كانوا أثرياء . والعرب قديماً كانت تقول: (عالج الملل بكثرة العمل)، ومهما بلغت مشقة العمل فإنها أقل قسوة من الملل، وكان الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل يقول: (أنا عندي طموح كبير أن أموت تعباً بدلاً من الضجر ). وحتى لا نقع ضحايا للملل من العمل علينا أن نتقن ثقافة "الشحن" التي ترفع منسوب الاهتمام . فعندما يعمل الإنسان دون شحذ للمنشار ، ودون أن يضيف لثقافته وطموحه المزيد في عمله فسينطبق عليك كلام فولتير : (سر الملل هو قول كل ما لديك)، فرفع الاهتمام للعمل وتنوع سلة الأعمال يبقيك على مسافة آمنة من الملل، وحتى لا تقع ضحية لأسر العمل الواحد الذي قد يشيخ فتشيخ معه، عليك أن تهتم بتنويع دائرة الأعمال المحببة إلى نفسك دون أن تغرق في زحمتها . ابحث في بعض نشاطاتك عن "النهايات غير المحسومة" سلفاً، والبقاء في عالم محتمل المفاجآت يبقيك على شعور مؤكد المغريات، والدوري الذي يحتكره فريق واحد يتوج الملل ببطولته . مخالطة الإيجابيين تضاعف إصابتك بالملل، ومجالسة السلبيين تضاعف إصابتك بالملل، وكما يردد الأتراك في حكمهم: (ليس للملول صديق). قبل أن تفكر في كسر الروتين لتقضي على الملل، لا تنس أن تغيير حياتك مفتاحه تغيير أفكارك وليس تغيير مكان إقامتك.