هل يعتبر الهبوط الحاد الأخير في أسعار النفط بشرى سارة جيدة أم خبرا سيئا بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا؟ وكيف ينبغي عليه التأثير على السياسة النقدية؟ هنالك إجابة بسيطة أولية لكلا السؤالين، ومن ثم هنالك بعض التعقيدات التي، في ظل الظروف الراهنة، تتطلب الاهتمام. بادئ ذي بدء، يعتمد الكثير على السبب وراء انخفاض أسعار النفط، وكان السبب الرئيسي في عام 2014 هو زيادة في الإمدادات العالمية نظرا للتقدم في تكنولوجيا استخراج النفط -ما يدعى بثورة النفط الشديد أو المحصور، وتلك الإمدادات المتزايدة من النفط تخفض الأسعار وهذا من شأنه أن يخفض التكاليف في البلدان المستوردة للنفط ويوسع طاقاتها الإنتاجية ويرفع الناتج لديها وكذلك مستوى الدخول الحقيقية. حتى انه على الرغم من أنه في الآونة الأخيرة كانت الولاياتالمتحدة المنتج الأكبر للنفط في العالم، متجاوزة بذلك حتى السعودية، إلا أنها لا تزال تستهلك نفطا أكبر مما تنتج ولا تزال مستوردا صافيا. تعتمد أوروبا اعتمادا كبيرا على واردات النفط، لذلك فإن النفط الأرخص يجعل الأمريكيين أفضل حالا إلى حد ما، وكذلك الأوروبيين. هذا يعد خبرا سيئا بالنسبة للروس، ولكنه خبر جيد للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ينشأ الالتباس بعد ذلك نظرا لأن النفط الرخيص ليس فقط يزيد الناتج الحقيقي وإنما أيضا يقلل من التضخم. هل هذا يدعو إلى تخفيف السياسة النقدية، من أجل دفع معدل التضخم ليعود إلى المستوى المستهدف؟ عادة، قد تتوقع البنوك المركزية أن يكون الوقوع في حالة التضخم شيئا مؤقتا، وبذلك عادة ما تسمح لذلك بالحدوث، بالسماح للتضخم العودة في وقت لاحق دون أي تدخل آخر. لكن تذكر، نحن نفترض أن أسعار النفط انخفضت أساسا بسبب التكنولوجيا، وليس بسبب الركود في الطلب العالمي على النفط. لذلك، فإن الوضع ليس كما لو أن هبوط التضخم الناجم عن النفط يشكل نقطة صاعدة في البطالة أو مرتبطة بالقدرة الاحتياطية في الاقتصاد. في الواقع، سوف يكون الناتج أعلى مما كان عليه خلاف هذا الوضع. وإذا كانت هذه هي الحالة، تكون البنوك المركزية عادة تميل إلى النظر من خلال الانخفاض المؤقت في التضخم، كما يقولون، وترى عدم وجود حاجة إلى تخفيف السياسة النقدية وتخفيض أسعار الفائدة. الآن ننتقل إلى التعقيدات أو المضاعفات، وهنالك الكثير منها لكن ثلاثة فقط تستحق التركيز. أولا، قد تكون التكنولوجيا هي السبب الرئيسي وراء انخفاض أسعار النفط، لكنها ليست السبب الوحيد. لقد انخفضت أسعار السلع الأساسية بشكل عام خلال العام الماضي، بالرغم من أن هذا الانخفاض لم يكن بنفس قدر أسعار النفط. لذلك، تنطوي هذه القصة على عناصر تتجاوز التكسير الهيدروليكي. يراقب جيمس هاملتون من جامعة كاليفورنيا، سان دييجو، أسواق الطاقة عن كثب ويعتقد أن خمسي الانخفاض أو أكثر في أسعار النفط قد يعزى إلى «مؤشرات جديدة للضعف في الاقتصاد العالمي». إن تلك الدلائل الجديدة، في حال تكافؤ الأمور الأخرى، تشير إلى قدرة احتياطية مستمرة وبطالة زائدة، وتدعو إلى زيادة في تخفيف السياسة النقدية. بالنسبة لهذه الرؤية، علينا أن نكون واضحين، فإن النفط الرخيص في حد ذاته لا يدعو إلى تحفيز نقدي إضافي، بل إنه ظروف الطلب المتفاقمة سوءا هي التي أدت أولا إلى ظهور النفط الرخيص. ثانيا: تختلف آثار النفط الرخيص من بلد إلى آخر ومن قطاع صناعي إلى آخر. تلك الاختلافات قد يكون فيها تصورات تنعكس على السياسة النقدية. على سبيل المثال، يميل النفط الرخيص إلى إضعاف العملات الخاصة بالدول المصدرة للنفط مثل روسيا - في حالة الروبل كان الهبوط صاعقا. على نفس المنوال، يضيف هذا ضغطا متصاعدا على كل من الدولار واليورو، والعملة المرتفعة تشكل تشديدا للأوضاع النقدية. مرة أخرى، قد يكون هذا سببا لتطبيق تحفيز نقدي جديد. ثالثا: والأكثر أهمية، هنالك خطر بأن الهبوط المؤقت في التضخم الذي سببه النفط الأرخص سوف يخفض توقعات التضخم على المدى الطويل، وإذا حصل ذلك، فإن الهبوط المؤقت في التضخم لن يكون مؤقتا بعد ذلك. قد تكون الأسواق المالية خاطئة بأن تستنتج أن النفط الرخيص سوف يقمع التضخم على المدى الطويل. إذا استنتجت ذلك فعلا، على أية حال، فإنه لا يهم أن هذا الاستنتاج يقوم على منطق خاطئ. سوف تميل التوقعات الجديدة التي تلي ذلك إلى أن تحقق ذاتها بذاتها، وفي النهاية، سوف تكون الأسواق على صواب ولكن للأسباب الخاطئة. إن تلك الاحتمالية الأخيرة تشكل مصدر قلق أكبر بكثير لدى البنك المركزي الأوروبي يفوق مشاعر القلق لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، نظرا لأن منطقة اليورو تقف على شفير الهاوية لحالة ثالثة من الركود والانكماش التام. في بيان لها ومؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، كان لدى رئيسة الاحتياطي الفيدرالي القليل لتقوله حول انخفاض أسعار النفط - إغفال يغتفر. لكن أوروبا لديها المزيد على المحك، حيث إن المزيد من الدفع إلى الأسفل للتضخم في الاتحاد الأوروبي، والذي قد يكون مؤقتا في ظل الظروف العادية، قد يرجح كفة الميزان في عام 2015، وقد يضع منطقة اليورو على مسار الانكماش المستمر. عموما، بعد ذلك، أود القول بأن الهبوط في أسعار النفط يسوِي حالة التوازن في الولاياتالمتحدة بلطف لصالح التحفيز النقدي الموسع، بما معناه، ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي تأخير العودة إلى الوضع الطبيعي وأسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول قليلا. (إن العلامات الدالة على سوق العمل المتشددة، عندما يكون هنالك بعضا منها، قد تتجاوز تلك الحسابات). في الاتحاد الأوروبي، هذا يجادل بقوة كبيرة أقوى بكثير من قبل لصالح التحفيز النقدي النشط للغاية في شكل التسهيل الكمي الصريح. لكن علينا ألا ننسى أن هذه الحجة كانت قوية، بالطبع، على مدى عدة أشهر على أية حال، كل ما في الأمر أن أسعار النفط سوف تجعلها أقوى.