في الأيام الأخيرة، لاحظتُ إحساساً متزايداً من مشاعر القلق بين المستثمرين، من أن القوة المفاجئة لهذا العام في سوق السندات الأمريكية لن تستطيع الاستمرار، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالسندات ذات الآجال الطويلة. إذا كانوا على حق، فلن يكون ذلك للأسباب التي يتم الاستشهاد بها في العادة. يشعر المستثمرون بالقلق من أن عوائد السندات الأمريكية يمكن أن ترتفع- وبالتالي تتراجع أسعارها- نتيجة لانتعاش متين وملحوظ في النمو الاقتصادي، أو زيادة معقولة في التضخم. أغلب ظني أن هذه المخاوف في غير محلها. لكن هناك احتمالاً ثالثاً، ويمكن أن يحقق نفس الأثر: وهو حدوث تحول في العلاقة بين أسعار الفائدة العالمية. خلال معظم العام الحالي، كانت عوائد سندات الخزانة الأمريكية عبارة عن رد فعل على التطورات في أسواق أسعار الفائدة، ولم تكن هي التي تقودها. صحيح أن عدم رغبة الاحتياطي الفدرالي في التخلي بسرعة عن موقفه المتساهل في السياسة النقدية (أي عدم رفع أسعار الفائدة)، خصوصاً في سياق التراجع الذي حدث في الربع الأول في الناتج المحلي الإجمالي، ساعد على إبقاء العوائد منخفضة. لكن أوروبا لعبت دوراً أكثر أهمية. قرارات الاحتياطي الفدرالي بالتقليص التدريجي للتسهيل الكمي، والتحسن المتواصل في سوق العمل، كان من شأنه بالتأكيد أن يحقق أثراً أكبر على أسعار الفائدة الأمريكية لولا وجود ثلاث قوى خارجية أدت بصورة تراكمية إلى هبوط حاد في عوائد السندات الأوروبية. أولاً، الانتعاش الاقتصادي في أوروبا، رغم ضعفه، يواصل فقدان الزخم في الوقت الذي تقوم فيه الحكومات بتأجيل الإجراءات لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية وسياسة المالية العامة. ثانياً، يستجيب البنك المركزي الأوروبي من خلال سياسة نقدية أكثر تساهلاً بأن جعل أسعار الفائدة سلبية على ودائع البنوك لدى البنك المركزي، ومن خلال برنامج أكثر نشاطاً في شراء السندات. ثالثاً، عملت الأزمة في أوكرانيا على إحداث المزيد من الآثار الانكماشية على الاقتصاد الأوروبي. وكان الهبوط الناتج في عوائد السندات الأوروبية قد جعل سندات الخزانة الأمريكية تبدو أكثر جاذبية رغم الانخفاض التاريخي المتواصل في عوائدها. على سبيل المثال، في الوقت الحاضر يبلغ العائد على سندات الخزانة الألمانية لأجل 10 سنوات حوالي 1.5% أقل من السندات الأمريكية المماثلة. لكن الوضع مختلف الآن، حيث ان أسواق العملات في حالة تحرُّك. التوقعات حول النمو البطيء وأسعار الفائدة المنخفضة في أوروبا دفعت سعر صرف اليورو إلى الأدنى ليصبح أقل من 1.30 في مقابل الدولار، في حين أنه كان حوالي 1.40 دولار في مايو، حيث خفف الضغط عن العوائد على السندات الأمريكية. بالتالي هناك احتمال متزايد بأن ترتفع العوائد على السندات الأمريكية طويلة الأجل، من تلقاء نفسها -خصوصاً السندات لأجل 10 سنوات- وفيما يتعلق بأوروبا. بالتالي إذا كنتَ تشعر بالقلق حول سوق السندات، لا ينبغي أن يكون مصدر شعورك هو التسارع في نمو الاقتصاد الأمريكي أو التضخم. التهديد الحقيقي هو التباعد المتزايد ذو الأوجه المتعددة بين أوروبا والولايات المتحدة.