معادلة النفط الحالية تفرض ضغوطا كبيرة على ميزانيات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تتجه ببوصلة المحللين الى افتراض وجود تحديات، وأيام صعبة تنتظر دول الخليج مع تراجع أسعار الخام، وبعد أن فوتت هذه الدول فرصة ذهبية لتنويع اقتصادياتها بالاستفادة من العائدات النفطية الضخمة التي سجلتها خلال العقد الماضي. وأشار تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية أمس، الى أنه يمكن أن تبدأ دول مجلس التعاون الخليجي الست، وهي السعودية والاماراتوالكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين، بالمعاناة جراء تراجع أسعار الخام التي خسرت نصف قيمتها منذ يونيو، وهي اليوم بحدود ستين دولارا للبرميل. ودول الخليج التي تضخ 17,5 مليون برميل يوميا، يمكن أن تخسر نصف عائداتها النفطية مع الأسعار الحالية، أي حوالى 350 مليار دولار سنويا. وتشكّل العائدات النفطية حوالى 90% من العائدات العامة بالنسبة لمعظم دول الخليج، ومع انخفاض الأسعار الى ما دون توقعات الموازنة، فان الحكومات ستواجه- من دون شك- عجزا العام المقبل. وسيتبع انخفاض العائدات خفض في الانفاق، وربما ايضا فرض ضرائب للمرة الأولى في تاريخ هذه الدول، مما يزيد المخاوف من الاستياء الشعبي، ومن التباطؤ الاقتصادي في النهاية. كما أدى انخفاض أسعار النفط الى انهيار بورصات الخليج والى خسارتها مليارات الدولارات من القيمة السوقية للأسهم، الامر الذي يؤذي شركات مهمة من القطاع الخاص مثل المطور العقاري إعمار وشركة المقاولات العملاقة أرابتك، وكلاهما في دبي. وصلب المشكلة- بحسب المحلل الاقتصادي الكويتي جاسم السعدون- هو فشل دول الخليج في اقتناص فرصة ارتفاع عائدات الطاقة من اجل تنمية اقتصاداتها خارج اطار القطاع النفطي. وقال السعدون: «لقد ضيعت دول الخليج فرصة مهمة للإصلاح وبناء اقتصاد متنوع بشكل حقيقي». وذكر المحلل أن «الانفاق العام ارتفع الى مستويات قياسية، ولم يكن ذلك على مشاريع بنى تحتية حيوية بهدف تنويع الاقتصاد». ويحذر الخبراء الاقتصاديون من أنه وبالرغم من التحوطات المالية الضخمة التي جمعتها، فإن انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة سيؤثر بشكل كبير على دول الخليج. وقال صندوق النقد الدولي في ورقة نشرها الأسبوع الماضي تحت عنوان «لقد حان الوقت للتنويع»: إن «انماط النمو السائدة بالنسبة لمعظم الدول المصدرة للنفط تجعل هذه الدول عرضة للتأثر بمراحل مطولة من انخفاض الأسعار». وحذّرت وكالة التصنيف ستاندرد اند بورز من أن الانخفاض الطويل في أسعار النفط سيبطئ على الأرجح من اقتصاديات دول الخليج وسيؤدي الى انخفاض الانفاق على مشاريع البنية التحتية الضخمة، وسيؤثر أيضا على القطاع الخاص. وخفّضت الوكالة مستوى النظرة المستقبلة بالنسبة للسعودية وسلطنة عمان والبحرين، إلا أنها أبقت على نفس التصنيف الائتماني بسبب التحوطات المالية الضخمة. وقال صندوق النقد الدولي: إنه عدا سلطنة عمان والبحرين اللتين تعانيان أصلا من عجز، فإن الدول الخليجية الاخرى لن تتأثر بشكل كبير على المدى القصير، إذ يمكنها ان تلجأ الى تحوطاتها المالية البالغة حوالى 2500 مليار دولار. إلا أن هذه التحوطات ستؤمن «غطاء مؤقتا فقط». وقد بدأت بالفعل عمليات شد الأحزمة في بعض دول المنطقة. وشدّدت السعودية على أنها ستستمر في الإنفاق المرتفع عبر الاستفادة من التحوطات المالية. إلا أن الكويت أمرت بإجراء اقتطاعات كبيرة في الإنفاق، وهي تفكر في رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء. وفي الامارات، أعلنت دبي عن خطط لرفع أسعار الكهرباء والمياه، ومن المتوقع أن تتخذ دول أخرى تدابير مشابهة. واعتبرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني ان دول الخليج ستبدأ على الأرجح في اجراء اقتطاعات في الانفاق على «مشاريع استثمارية غير استراتيجية»، إلا أنها ستواجه في النهاية ضرورة اتخاذ قرارات صعبة. وقالت الوكالة: «ستجد الحكومات صعوبات ازاء تباطؤ او تراجع الانفاق العام، بما في ذلك اصلاح نظام الدعم، إذ ان هذه الحكومات تواجه المطالب بالرفاه الاجتماعي». وبحسب أرقام صندوق النقد الدولي، فإن عائدات النفط ارتفعت من مئة مليار دولار في العام 2000 الى 729 مليارا العام الماضي، إلا أن الانفاق ارتفع من 150 مليار دولار الى 547 مليارا. لكن ارتفاع الانفاق كان بشكل أساسي على رفع الرواتب والدعم وليس على الاستثمارات. وقال الخبير ام آر راغو رئيس الابحاث في مركز الكويت المالي: ان «الانفاق الجاري تجاوز الانفاق الاستثماري بأشواط». وخفض هذا الانفاق الآن يبدو صعبا، إذ أن ذلك يعني اتخاذ خطوات جريئة في مجالات الرواتب ودعم الأسعار، بحسب الخبراء. وطالب البنك الدولي دول الخليج أن تبدأ فورا في خفض دعم أسعار الطاقة، وهو دعم يكلفها 160 مليار دولار سنويا، فيما اعتبر الخبير السعدون أن فرض ضرائب «بات محتما».