حضرت بالأمس فعاليات اليوم العالمي للغة العربية الذي نظمته جامعة الدمام برعاية معالى مدير الجامعة د. عبدالله بن محمد الربيش والشراكة مع مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية الذي انطلقت أعماله في الاحتفاء باللغة العربية في يومها العالمي 18 ديسمبر والذي وافق أمس الخميس 26 صفر 1436ه. وقد اختير هذا اليوم خاصة لأنه يصادف ذكرى صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (3190) باعتماد اللغة العربية لغة رسمية بالمنظمة عام 1973. نحن ندرك أن تمكين استخدام اللغة العربية في مختلف المجالات، هي مسؤولية الجميع، وليست وظيفة فرد أو مؤسسة، ومن الجيد أن يجري استثمار المناسبات الدولية لإطلاق المبادرات في خدمة لغتنا الفصحى. والواقع «لغة الضاد» وهو الاسم الذي يُطلقه العرب على لغتهم، تعاني أزمة حقيقية بين أهلها، فينتشر الخطأ في نطقها وكتابتها، ولغة الخطاب تدار بالعامية وكثيراً ما نسمع عبارة «ما تكلمنيش بالنحوي»، وبعض المثقفين قد يبلغ به حدّ الخجل من النطق بالعربيّة، وكأنّ استخدام اللغات الأجنبيّة أصبح نوعاً من التباهي الثقافي والاجتماعي. بل إن الكتابة بالأحرف العربيّة نفسها صارت تكتب بطريقة أشبه (بنبش الفراخ) كما يقال في العامية. ولعله من الضروري أن نطلق في ذلكم اليوم العالمي للفصحى نداء قويا وصافرة إنذار لدعم لغتنا وهي أساس هويتنا. لا نخشى على لغتنا من الاندثار فهي باقية ما بقي القرآن الذي تعهد الله بحفظه «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (9) سورة الحجر، «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» [فصلت:3]. لكننا نريد لها أن تنهض لغة للخطاب الرفيع والتدريس الفعال والتأليف الراقي والهوية الجامعة لأمة تكاد الفتن تمزقها إربا إربا. وأنا أنادي بتفعيل التوصيات التي تصدرها المؤتمرات العالمية التي تعقد في هذا الشأن، ومنها المؤتمر العالمي الذي نظمته مؤخرا جامعة الدول العربية بالقاهرة بالتعاون مع المجلس العربي للطفولة والتنمية بعنوان (لغة الطفل العربي في عصر العولمة)، بهدف التعرف على واقع اللغة العربية في الوقت الراهن، وتحديد أدوارها ووظائفها في تشكيل هوية الطفل العربي. ومن توصيات المؤتمر المهمة: أولا: التعليم * تطوير بنية ومناهج الأنظمة التربوية العربية، بحيث تستوعب جميع الأطفال في سن المدرسة، وتزودهم بالمعارف والمهارات اللازمة للتفوق في عصر العولمة. * إعداد المعلمين في جميع المواد، في جميع مراحل التعليم العام، إعداداً جيداً في حقل اللغة العربية. * تأسيس مراكز للتدريب على المحادثة بالفصحى في كل بلد عربي، وفي المهاجر على وجه الخصوص، على أن تعتمد أسلوب الإتقان الوظيفي للغة، أي إتقان استعمال اللغة بدلاً من التركيز على دراسة القواعد المجردة. * دعوة المجامع العربية إلى القيام بإجراء بحوث تتناول الرصيد اللغوي الوظيفي لكل مرحلة من مراحل الطفولة، أو التشجيع على إجراء هذه البحوث ودعمها مادياً وأدبياً. فالرصيد اللغوي الوظيفي هو الأساس الذي ينبني عليه إعداد المناهج المدرسية وتصنيف معاجم الأطفال. ثانياً: الإعلام * تشجيع الإنتاج التعليمي والترفيهي الموجَّه للأطفال عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على الأداء باللغة العربية الميسرة، مع الحرص على عرض تلك المواد بطريقة جذابة وشائقة. * إلزام الإعلاميين بالعربية الفصحى. * توجيه برامج إذاعية وتلفزيونية لتعليم اللغة العربية لتفعيل الحوار مع أولادنا في المهجر، ولتعليمهم أصول اللغة ومناقشة القضايا الثقافية والتراثية بصفة مستمرة. * إنشاء مسابقات للقراءة والكتابة باللغة الفصحى من خلال وسائل الإعلام على مستوى الدول الأعضاء لتشجيع الأطفال على النطق والكتابة بها، والاستماع إليها. ثالثًا: أدب الأطفال * الاهتمام بكتاب ومؤلفي أدب الأطفال العربي للارتقاء بهذا الأدب وجعله منافساً للآداب العالمية. * تشجيع الدراسات التي تُعنى بأدب الطفل العربي ولغته ودعمها. * تشجيع البحث العلمي الرصين في لغة الطفل وأدبه. وفي مجال الترجمة أوصى المؤتمر بتجسير الترجمة بين العربية واللغات الأخرى على نحو متوازن، يؤدي في النهاية إلى إدخال المصطلح العربي إلى لغة الآخر بلفظه ومعناه، بوصفه مُعَبِّراً عن الخصوصية الثقافية. ولعلي أضيف إلى هذه التوصيات بعض المهام على الأسرة وهي تشجيع أطفالها على التخاطب باللغة العربية كما تفعل إحدى بناتي مع أطفالها. إن لغة الضاد ليست مهمة للتخاطب والتواصل فحسب، لكنها شعيرة تمارس بروح الشعيرة، فنقرأ كتاب الله ونصلي وندعو الله بها. ولله در إبراهيم حافظ الذي يقول على لسان الفصحى أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي * أستاذ مشارك بجامعة الدمام