تزايد في السنوات الاخيرة الاهتمام العالمى بالغاز الطبيعي كمصدر رئيس للطاقة رغم تكلفته العالية، بل ويرجح كثير من المختصين ان يكون طاقة المستقبل، رغم ما يتطلبه من استثمارات كبيرة الحجم. وذهب البعض الى الاعتقاد بأن القرن الحالي سيكون القرن الذهبي للغاز الطبيعي، كما كان القرن الماضي قرن النفط بامتياز. ويشهد الطلب العالمي على الغاز نمواً كبيراً، حيث يلبي الغاز الطبيعى حالياً حوالي ربع حاجة العالم من الطاقة. ولعل اهم ما يميز الغاز الطبيعي هو قلة تلويث البيئة، والكفاءة العالية أثناء توليد الكهرباء او التسخين. ويوجد حالياً ثلاثة اسواق رئيسية للغاز بالعالم وهى: سوق أمريكا الشمالية، السوق الأوروبي وسوق الشرق الأقصى (آسيا). وبخصوص الأسعار فإنها تحدد عن طريق عقود طويلة الأجل (من 20 إلى 30 سنة)، وتختلف اختلافاً كبيراً بحسب السوق او المنطقة. ويتم نقل الغاز من المنتج الى المستهلك بواسطة اما أنابيب نقل الغاز، أو السفن المخصصة بعد تسييل الغاز بواسطة الضغط والتبريد. ويشهد العالم نمواً غير مسبوق في مشاريع الغاز المسال؛ نظراً لارتفاع اسعاره ولسهولة نقله عبر المحيطات لأي مكان بالعالم. ويشكل الغاز الطبيعي المسال حوالي 10% من اجمالي الغاز الطبيعي المستهلك. وهذا يدل على أن الغاز الطبيعي المسال يشكل حوالي 2-3% من حاجة العالم للطاقة. وتصل نسبة صادرات الغاز المسال من التجارة العالمية للغاز الطبيعي حوالي 43%، ويتوقع أن تزداد الى 48% بحلول 2040 مقارنة بالنقل بالأنابيب. وتعد قطر اكبر منتج للغاز المسال، حيث تنتج 77 مليون طن سنوياً، وتليها ماليزياواستراليا بإنتاج حوالي 24 مليون طن بالسنة لكل منهما. ولكن قريبا ستتسيد استراليا العالم بإنتاج الغاز المسال. وتنتج استراليا الغاز المسال بمشاركة الشركات العالمية الغربية والشركات اليابانية المنتجة للطاقة الكهربائية، والتى تستورد الغاز الاسترالي، مثل شركتي كهرباء وغاز طوكيو وكانساي. ولا شك ان قرب استراليا من اليابانوكوريا الجنوبيةوالصين قد شجع الاستراليين والمستثمرين العالميين على المضي قدماً في هذه المشاريع، خاصة في ظل ارتفاع الاسعار في عام 2010م. وحالياً تستورد اليابان معظم صادرات الغاز الاسترالية. وتقوم استراليا بتشييد اكبر توسعة لإنتاج الغاز الطبيعي في العالم، حيث يجري العمل حالياً على الانتهاء من سبعة مشاريع جديدة لإنتاج الغاز المسال. وبعد سنتين ستضيف استراليا حوالي 61 مليون طن، وبذلك ستصبح قدرتها الإجمالية حوالي 85 مليون طن سنوياً. وتقدر تكلفة هذه المشاريع الاسترالية الجديدة بحوالي 200 مليار دولار، استثمرتها شركات عالمية من اهمها: اكسون موبيل وشيفرون وشل وتوتال وكونكوفيليبس وسينوبك الصينية وكيوشو للكهرباء وبتروناس وسانتوس وبتروتشاينا ومجموعة BG وشركات اخرى مثل الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية وانبكس اليابانية. ولكن يبقى سؤال يصعب الاجابة عليه، وهو هل ستكون هذه المشاريع مجدية اقتصادياً بعد الانتهاء من تشييدها اذا استمر تدني الأسعار؟ ولا شك ان ارتفاع اسعار النفط في السنوات الخمس الماضية وارتفاع الطلب الياباني عقب اغلاق مفاعلاتها النووية قد بعث الأمل في هذه الشركات، ودفعها لاستثمار المبالغ الضخمة. ولكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن، وها هي اليابان تخطط لإعادة تشغيل مفاعلاتها النووية بعدما اثقلتها اسعار الغاز المسال المرتفعة، وهذا بلا شك سيقلل الطلب الياباني على الغاز المسال. والجدير بالذكر ان اليابان استهلكت في العام الماضي حوالي 88 مليون طن من الغاز الطبيعي، أى حوالي 37% من اجمالي الانتاج العالمي، ولذلك فإن أي خلل في استهلاكها سيؤثر سلبياً على الاسعار. وفي نفس السياق تأتي مشاريع تصدير الغاز الصخري من امريكا الشمالية، والتي يتوقع لها ان تنافس بشدة المشاريع الاسترالية. وتخطط امريكا لتصدير حوالي 60 مليون طن لآسيا واوروبا بعد عدة سنوات. وهنالك ايضاً المشاريع الافريقية وغاز شرق المتوسط الذي سيتم تصديره قريباً. كل هذا يعد الاسواق بتخمة في المعروض وعدم ارتفاع مماثل في الطلب العالمي على الغاز المسال. والأكيد ان انخفاض اسعار النفط بحوالي 40% ألقى بظلاله على الاسعار العالمية للغاز الطبيعى المسال. وتشهد الاسعار العالمية للغاز المسال حالياً انخفاضاً ملحوظاً؛ بسبب وفرة الانتاج وارتفاع الكميات المعروضة للبيع، وبسبب انخفاض اسعار النفط. ولقد انخفضت اسعار الغاز المسال في آسيا في شهر ديسمبر الى اقل من 10 دولارات للمليون وحدة حرارية، ترافقاً مع هبوط اسعار خام برنت الى اقل من 65 دولارا. وكانت الاسعار قبل عام حوالي 18 دولارا للمليون وحدة حرارية. الحقيقة ان صناعة الغاز المسال العالمية موعودة بتحديات كبيرة، منها توقيع عقود توريد الغاز الطبيعي عبر الانابيب بين الدول، ويبقى العقد الصيني الروسي الذي تقدر قيمته ب 400 مليار دولار الأهم على الساحة. وهذا سيغذي الصين ويجعل حاجتها لشراء الغاز المسال محدودة. وأما الغاز الصخري الامريكي فسيكون المنافس اللدود للغاز الاسترالي؛ نظراً لرخص كلفة انتاجه. واما التهديد الاكبر فسيكون انخفاض اسعار النفط، فلو انخفضت اسعار النفط الى 50 دولارا للبرميل، فهذا سيعني ان اسعار الغاز المسال لن تتعدى 8 دولارات للمليون وحدة حرارية. ولا شك ان المشاريع الاسترالية كانت تطمح بأسعار تتراوح بين 18-20 دولارا للمليون وحدة. ويعتبر الاستثمار في مشاريع الطاقة من الاستثمارات الباهظة التكاليف ويحتمل الكثير من المخاطر والمفاجآت، وعلى سبيل المثال استثمرت كل من اكسون وشيفرون وشل 54 مليار دولار في مشروع جورجان الاسترالي لانتاج الغاز المسال. ولكي يكون المشروع مربحاً يتحتم على سعر الغاز ان يكون اعلى من 18 دولارا للمليون وحدة. واستثمرت توتال وسانتوس 18.5 مليار دولار في مشروع جلادستون الاسترالي لانتاج الغاز المسال، ويجب ان يكون سعر الغاز اعلى من 19 دولارا لكي يربح المشروع، وهذا ما يضع الكثير من علامات الاستفهام على نجاح هذه المشاريع الباهظة التكلفة في ظل الانخفاض الكبير في اسعار الطاقة العالمية. والأكيد ان الغاز الصخري اصبح مصدر قلق لكل من استثمر في هذه المشاريع. ويبقى ان نعلم وللمقارنة ان شركة شينيرى استثمرت 7 مليارات دولار لانتاج الغاز الصخري المسال وتصديره من امريكا، وسيكون المشروع مربحاً حتى لو وصل سعر الغاز الى حوالي 7 دولارات للمليون وحدة. وفي الختام ستبقى المشكلة الرئيسية للمشاريع الاسترالية هي التركيز على كوريا الجنوبيةواليابان بحكم الاسعار والقرب الجغرافي. ولكن يبقى الطلب الاضافي لهاتين الدولتين للغاز محدودا نسبياً، ويبلغ الطلب الحالي لهما حوالي 125 مليون طن بالسنة، وستنخفض مع تشغيل مفاعلات اليابان النووية الى حوالى 110 ملايين طن، وستصبح قدرة استرالياوماليزيا واندونيسيا وامريكا على انتاج الغاز المسال بعد عدة سنوات حوالي 200 مليون طن، وهو ضعف حاجة كوريا الجنوبيةواليابان. وهذا باعتبار ان قطر وبلدان الشرق الاوسط وروسيا لن تصدر لآسيا الغاز المسال. ولا شك ان هذه الكميات اعلى من حاجة آسيا، وهو ما قد يؤدي الى حرب اسعار، وبالتالي هبوط كبير باسعار الغاز المسال المستقبلية وخاصة لو استمرت اسعار النفط بالانخفاض.