منذ أن يبدأ يومي في ساعات الصباح الأولى والحيرة تتملكني، بأي المنتجات سأغسل شعري اليوم؟ وبأي منها سأغسل ملابسي؟ ومن أي أنواع الرز سيكون الغداء؟ إن يومي يبدأ وأنا أسترجع صوت... المتصنع وهي تكذب محاولة اقناعي بأن الأفضل لي هو الشامبو الذي تستخدمه! ثم يرن في عقلي صوت.... وهي تتلطف وتتعطف وتعرض لي نعومة شعرها المجعد بعد أن استخدمت الشامبو الآخر، ولكن ربما من الأفضل أن استخدم الشامبو الذي امتدحته... إذ يبدو أنه لا يغير الشعر فقط، ولكن يغير الوجه بأكمله!! وبعد أن أعرض عن الثلاثة وأغسل شعري بالسدر كما فعلت جدتي. أقف حائرة بين مسحوق الغسيل للشجعان الذي توصي به.... أو سائل الغسيل الذي يساعدني على غسل عباءتي كل يوم بسبب وبدون سبب؛ لأنه ناعم عليها كما تقول... التي لا تغسل عباءتها سوى مرة واحدة في العام!! حيرة عظيمة، لا تقل عن عظمة من يحاولون اقناعي بتلك المنتجات، وبعظمة فكر الشركات العربية الإعلانية؛ ذلك الفكر المميز الذي يبدأ وينتهي في اجتماعاتهم بسؤال واحد يعصفون به أذهان بعضهم بعضا! وهو: من هي صاحبة الوجه التي ستقنع الناس بمنتجاتنا؟ هذا هو كل اهتمامهم في الغالب!! أما غير ذلك فليس مهماً! فتلك العبارات - المكررة والبعيدة عن أي محاولة لاحترام عقول الناس- التي ترددها أفواه المشاهير لا يهتم بها أحد من منتجي الإعلانات. وكذلك هو الحال مع الفئة المستهدفة في الاعلان! فطالما أن الفئة المستهدفة هي (الهبل) من الناس وفي أحسن الأحوال ستكون من (السذج)، لا يهم حينذاك ما الذي يقال؟ لأن تلك الشركات تفترض أن التأثير كله يتركز عندما تقترب الكاميرا من المشهورة إياها لتقول لي: أنا استخدم ... وأنت كمان!! يا فرحتي! ومن ذا الذي منحته الحياة هذا الفوز العظيم مثلي؟ لأني سأغسل شعري بشامبو تستخدمه... أو ...، لذا لن أتردد أبداً في الخروج من بيتي بمجرد أن أرى الإعلان لأشتري تلك البضاعة. هل حقاً أن من يعملون في شركات الإعلان العربية من المختصين؟ إن كانوا كذلك فالمصيبة عظيمة. وإن لم يكونوا فالمصيبة أعظم! عندما أرى هذا الكم الهائل من الإعلانات، يدور في ذهني سؤال. هل الإعلان عملية تبدأ وتنتهي بالنصب والاحتيال؟ فالشركات تحتال على الناس وتقنعهم بكل شيء، ثم تقبض من التجار وبعد ذلك يقدم التجار أموالهم إلى القنوات التي تبيعهم الدقيقة بعشرات الألوف وهم يضحكون؛ لأن الضحية بينهم هو المستهلك الذي إن لم يشتر المنتج فسيصاب بالغثيان أو الصداع من تفاهة تلك الإعلانات، التي تفاجئه وهو يتناول طعامه بمنظر لشخص يبصق الدم؛ لأنه لم يستخدم ذلك المعجون الذي ينظف أسنانه ويحمي لثته!! أو أخرى تشرح لنا بتفاصيل غير مهذبة، كيف تحمي نفسها وطفلها من البلل! والسؤال إلى متى يستمر المستهلك في الدوران داخل هذه الحلقة المغلقة، التي صنعها التاجر والمعلن، فصار حاله من حال ذاك الفأر الأبيض في الدائرة الشفافة التي تلف به، وهو لا يعلم لماذا يضعونه هناك ويقفون للفرجة حوله. هذه الإعلانات لا يتوقف ضررها عند ما ذكر سابقاً، بل يزيد عن ذلك بما هو أسوأ. فهي ترويج إضافي للفنانات والمتفننات وهو حشو لعقول الناشئة والبسطاء من الناس بالمزيد من التفاهات والاستهلاك غير المقنن، واعطاء بعض الشخصيات سمة الموجه العالم بكل شيء، فإذا أعجبت بشامبو... ربما أصدق كل ما تروج له من أكاذيب جمالية بما فيها الشعر (الفوشي) الذي تتباهى به!! أو دعوتها المتكررة لصغيرات السن لاستخدام البوتوكس. وإبر الشفط والنفخ دون حاجة لذلك، إلا لتروج لنفسها وعيادتها وكل ما يزيد رصيدها المالي والجماهيري من الهشين الفارغين. هذا بخلاف ذلك الحوار الذي يدور بين أبطال الإعلانات الأخرى التي تخلو من الوجوه المشهورة. وهو حوار فيه من السخافة والتسخيف شيئ كثير. وتظهر أطراف المجتمع بحال لا يسر عدوا ولا حبيبا! ناهيك عن اللهجات الغريبة التي تنطق بها الإعلانات ويدعون أنها لهجة سعودية أو خليجية. إن ما نريده من شركات الإعلان بسيط جداً، ما هو إلا أن تكفوا أذاكم عن عقولنا إذا لم تعرفوا كيف تحترمونها، ولن نقول قدموا لنا إعلانات مميزة وطريفة ومبهرة؛ لأنه من الواضح أنكم تعجزون عن ذلك. * عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام