نجاح مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحل الخلاف داخل البيت الخليجي تؤكد المكانة التي تحتلها المملكة بين شقيقاتها دول الخليج بل لدى دول العالم، كما تؤكد التقدير والاحترام الذي يكنه قادة العالم أجمع والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وثقتهم في حكمته ومحبته التي تشمل الجميع وحرصه على مصلحة الاخوة الأشقاء في كل مكان. لقد راهن الكثيرون ممن لا يضمرون للدول العربية والإسلامية ودول الخليج الخير ولا يتمنون اجتماعها على كلمة واحدة، راهنوا على هذا الاختلاف الذي أرادوه أن يكون سبباً في ضعف الموقف وضعف التأثير والتشكيك في إمكانية اجتماع الكلمة أمام المخاطر التي تتعرض لها المنطقة، والتي تسعى من خلالها قوى خارجية إلى بسط نفوذها وسيطرتها من خلال بعض الذين ارتضوا أن يكونوا بيادق تحركهم هذه القوى في الاتجاه المعاكس لمصالح أوطانهم وأمنها واستقرارها. ولعل هؤلاء يكتشفون بعد هذا التجاوز السريع للخلافات التي لم تتجاوز الاختلاف في وجهات النظر، وقد بقيت داخل البيت الخليجي الواحد ولم تصاحبها تلك الدعايات الإعلامية التي تلجأ إليها بعض الأطراف عند أول خلاف، فقد استمرت الاتصالات بين زعماء الخليج ولم تغلق الحدود ولم تتخذ أية إجراءات للمقاطعة الاقتصادية أو غيرها، ولم يمنع تنقل الأفراد وغيره من الإجراءات التي تسارع إليها بعض الدول عند أدنى حلاف سياسي، وهي سابقة وسلوك ينبغي أن يكون قدوة في التعامل حتى في زمن الاختلاف، وهي تؤكد أن وحدة دول المجلس لا تقبل التجزئة والانقسام، كما هي رسالة للأشقاء في الدول العربية والإسلامية بضرورة ألا تتسبب أية خلافات سياسية في إرساء حالة عداء بين الشعوب أو إيذائها أو قطع الصلات وفرض العقوبات بل حتى الحملات الإعلامية، لأن المياه ليس كما يقولون سرعان ما تعود إلى مجاريها بين الأخوة والأشقاء، بل إنها تبقى في مجاريها ولا تتحول عنها حتى وإن اختلفت وجهات النظر حينا. والمؤكد أن هذه المبادرة سوف لن يكون أثرها محصوراً في تحسين العلاقات بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي فقط، بل سوف يكون لها بالتأكيد آثار إيجابية على علاقات هذه الدول والدول العربية الأخرى، مما سيكون سبباً – إن شاء الله - في لم الشمل العربي في مرحلة هي من أكثر مراحل التاريخ الحديث حرجاً. ومما يزيد في أهمية حل الخلافات داخل البيت الخليجي أنه يأتي على أبواب انعقاد القمة القادمة لدول المجلس في الدوحة، والتي ينتظر أن تتخذ المزيد من الإجراءات لتوفيق العرى والروابط الأخوية بين الدول الأعضاء من خلال طرح خادم الحرمين الشريفين لتحويل المجلس إلى (الاتحاد)، وهي خطوة ستزيد في حالة حصولها قدرة دول المجلس على حماية أمنها وسلامتها وفي مواجهة ما يهدد ذلك من أخطار. لقد كانت المملكة العربية السعودية وقيادتها وحكمة خادم الحرمين الشريفين دائماً محط أنظار أبناء الأمة الذين يعانون من أسباب الخلاف والشقاء ويألمون لما أصاب أوطانهم من أذى نتيجة ليس له حل إلاّ التقاء المخلصين من أبناء الأمة على كلمة سواء يدعو إليها حكيم العرب الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فلقد عرفت الأمة من خلال مجرى الأحداث من هم القادة المخلصون لأمتهم والعاملون على حفظ أمن أوطانهم وأشقائهم، والذين لا يدخرون جهداً لدفع الظلم والأذى وجمع الصف وتوحيد الكلمة، ولم يبق لأحد عذرٌ بعدما وضع اتفاق الرياض الإطار الناجع الشامل لوحدة الصف العربي. * أكاديمي وباحث تربوي واجتماعي