أسبوعان أمضاهما المراقبون العرب في مسرح المذابح المستمرة في سوريا، ولم يتغيّر من الأمر شيء، سوى أمر واحد هو أن النظام السوري قد حصل من الجامعة العربية على أثمن الهدايا: مهلة لم يكن يحلم بها ورخصة رسمية لقتل المزيد من الناس، وجمع أكثر ما يستطيع من السوريين وحشرهم في سجون مجهولة وربما تغييب كثيرين منهم إلى الأبد. ويبدو أن الجامعة العربية سوف تمنح النظام السوري مزيدًا من الفرص الأخرى للفتك بأبناء وطنه وإراقة المزيد من الدماء.. وحتى إذا انتقلت القضية للأمم المتحدة فسوف تبدأ المراحل الأخرى من المُهل والرخص الدولية، بينما النظام لم يتوقف عن إراقة الدماء ولا يبدو أنه يفكر في التوقف، ويهدف إلى إنهاك الثورة واستخدام الوقت سيفًا مسلطًا على رقاب الناس الذين لا يزالون يصمدون ويواصلون احتجاجاتهم، على الرغم من أن النظام قد استطاع استئصال القوى الحيّة المحرّكة إما بالقتل أو بالاعتقال أو بتشريدها في منافي الأرض، كي تخلو الساحة السورية للنظام حتى إذا طبّق الديمقراطية، ومطالب الجامعة، لا يبقى في سوريا سوى الموالين للحزب الحاكم وكوادر الميليشيا التي سترغم الأغلبية الرافضة للنظام على التصويت لصالح الحزب وتخوين الأحرار الذين دفعوا دماءهم من أجل حرية سوريا. ووضح ضعف الجامعة العربية وهزليّة مواقفها حينما تدعو رئيس مكتب حركة حماس السياسي خالد مشعل للتوسّط بينها وبين النظام السوري، بينما مشعل ليس أكثر من تابع للنظام السوري وصديق لحلفائه ولن يتوسّط إلا بما يضمن بقاء النظام السوري قويًّا وباطشًا، خاصة أن مشعل هو أحد المنكوبين بغياب النظام السوري فكيف يعطي نصيحة محايدة وينصف شعبًا يموت تحت نيران المدافع وأسلحة الميليشيات. ولن يحظى السوريون بعدالة إلا برحيل نظام الأسد وقطع الأوصال مع الذين صادروا إرادة سوريا الحرة، وكرامة شعبها العظيم. وهذه الوساطة دليل على أن الجامعة هي أيضًا تسلك سُبُلًا مريبة ومخادعة تمنح المزيد من المُهل للنظام السوري، وتخدّر السوريين وتلخبط الأوراق، وتزرع العقبات أمام مطالبات المعارضة بتدخّل دولي لوقف حمام الدم في سوريا لإنقاذ ما تبقى من السوريين. وكان يتعيّن على الجامعة مساندة مطالب المعارضة والاجتهاد في وقف فوري لآلة القتل، بدلًا من الاجتهاد في خلق فرص جديدة لإطالة حياة النظام السوري الذي يرفض أية دعوة لوقف المذابح، ويستمر في إفناء السوريين وإذلالهم، حتى يمكن القول إن الجامعة العربية، التي تخترع الفرص وتنعم بها على النظام السوري أصبحت شريكًا في استباحة دماء السوريين ومُدنهم، وشريكًا في الجرائم التي ترتكب في المعتقلات السورية. ولا يمكن تفسير موقف الجامعة الضعيف المتخاذل إلا أنه مساندة لنظام سوري، وإعطاؤه ما يريد من الوقت على أمل إنجاح حلوله الأمنية وخطط حلفائه المجرمة التي تهدف إلى انتصار النظام بأي ثمن، وعلى جثث السوريين.