في خضم حياتنا التي نزيدها بأنفسنا وأيدينا صعوبة وتعقيداً كل يوم، نخسر معها مبادئ مهمة في حياتنا، ندفع ثمن ذلك الخسران غاليا عاجلا او آجلا، نفكر في لحظة آنية لا نحسب لها حسابا، ولا نملك أي أفق أو نظرة بعيدة المدى أو على الأقل قليلا من الحكمة التي كانت مضرب مثل في آبائنا، ومن قبلهم أجدادنا وبعض من رحم ربي منا. أكثر ما يمثّل ما تكلمت عنه أعلاه هو التعامل مع الأطفال، هذه الظاهرة لاحظتها تتزايد بشكل متسارع للغاية، البعض يظن أن تلبية طلبات الطفل و «تدليعه» هو المطلوب، وبذلك يكون قد أحسن التعامل مع المشكلة، بل إن البعض الآخر يظن أن هذا التعامل هو المثالي والمطلوب. هنا أقول لهؤلاء ان هذا التعامل ناقص، لأنه جيد من جانب واحد، أما الجوانب الأخرى فلا تغفلوها، لأنها لا تقل أهمية عن تلبية رغباته بل أكثر، الجانب البالغ أهمية هو كيفية التعامل مع الطفل وقت الغضب، سواء كان الطفل هو الغاضب أم الطرف الآخر هو الغاضب سواء كان أبا أو أُما أو غيرهما. العجيب والغريب أني رأيت بعيني بعض المواقف التي لو قيلت أو نُقلت لي لما صدّقتها، ففي أحيان كثيرة يتعامل الانسان مع الطفل كتعامل الند للند وكأنه بنفس المستوى السنيّ والعقلي تماما، فكثيرا ما شاهدت أبا يقول لطفله «أزعجتنا»، أو «أنت ما تفهم» أو أي كلمة من قاموس الشتائم أو الكلمات التي تهدم ما يُبنى في التعليم والتربية، ناهيك عن رفع الصوت والسخط الكبيرين وكأن هذا الانسان يتعامل مع شخص مثله تماما، وكل ذلك يكون في البيت أو حتى امام الناس في الاماكن العامة. ذات مرة كنت مع رجل غضب على طفله صاحب الأربع سنوات، من كثرة حركته و«شقاوته»، ففي كل مرة يقول له «اركد» يا ولد، «اسمع الكلام يا ولد»، «تراك صجيتنا يا ولد»، قلت له من الطبيعي أن يكون الطفل كثير الحركة، ومن غير الطبيعي أن يكون صامتا هادئا، فالتفت إلي وقال أنت وش فهمك! ولم يأبه الطفل لكل تلك التهديدات من والده، ثم إذا به يرفع صوته عليه بشكل مزعج، ويسحبه من ملابسه ويجره له بقوة ويقول: «وبعدين معك يا ولد متى تتأدب» حتى بكى الطفل وذهب، حينها بعد أن غيّر جلسته التفت إلي وقال «جيل ما تمشي معه إلا العين الحمرا» ثم «تفنجل» القهوة، وكأنه أسد في عرينه، بعدها نظر إلي نظرة وكأنه فتح بلاد الهند والسند، فقلت له: فضلا أعطني «دلّة» القهوة، «بصب» لي فنجال لو سمحت، ثم وجدت القهوة ساخنة للغاية فوضعت الدلة أمامي، وقلت لها «يا دلّة، ليه القهوة حارّة بزيادة؟ ثم قمت بتوبيخها ورميها بعيدا» فقال لي: وشبك؟ انهبلت بسم الله عليك! فقلت: ما أفعله أنا كما فعلته أنت، فقال كيف؟ قلت: أنت تتحاور مع طفل لا يفهم ولا يفقه ولا يدرك، وكأنك تتحاور مع إنسان عاقل بالغ مدرك، فالطفل عندي كالجماد لا يفهم، وبالتالي لا يمكنني أن أحاسبه إن لم يسمع لي، فأخذ يحكّ رأسه ولحيته، ويقول: ماذا تسمي تصرفي؟ فقلت أسميه "الضربة القاضية". * ماجستير إدارة أعمال - جامعة الملك فهد