ذكر الأكاديمي والباحث في شؤون العقيدة الأستاذ الدكتور علي الشبل في حديث اختص به «آفاق الشريعة» أن المملكة العربية السعودية قد بليت منذ عدة عقود بآثار التشدد في الدين من بعض أطياف المجتمع منذ عدة عقود، فبدءًا من فتنة الإخوان والتي تكاملت في معركة السبلة في سنة (1347ه) إلى حادثة الحرم من فئة غالية بدءًا من عام (1400ه ) إلى هذه الحوادث بالقتل والتفجير والتكفير والتدمير من بعض الفئات الضالة، حتى أضحت بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ومأوى قلوبهم ومنار هدايتهم تُصلى بنار الغلو والتشدد والتطرف وإرهاب الآمنين المعصومين في دمائهم وأعراضهم وأموالهم. وأشار إلى تنوع الجهود المبذولة على مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية، والعامة والخاصة في صدِّ هذا الانحراف العقدي والفكري والسلوكي الخطير، ومن عدة جهات أمنية وعلمية واجتماعية واستراتيجية، وفي هذا المقام أبرز الباحث الجهود العلمية المبذولة في هذا الاتجاه تنويهًا ورصدًا وتوجيهًا وعلاجًا. فذكر الشبل بعض الجهود واقتراحاته حولها، ومنها: أولاً: جهود هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: وقد سبقت هذه الجهة العلمية -وهي أكبر مستوى علمي ديني في البلاد- إلى التنديد بمثل تلكم الأعمال التخريبية، ونبذها، والتحذير منها من خلال البيانات والقرارات الصادرة عن هيئة كبار العلماء في دوراتها الاعتيادية والطارئة، بدءًا من حادثة العليا في عام (1416ه) إلى الوقت الحاضر، وكذلك ما صدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وعن سماحة مفتي عام المملكة وعن أعضاء هيئة كبار العلماء مجتمعين أو منفردين من الفتاوى والبيانات والأحكام العلمية والشرعية التي تدين تلكم الجرائم من تكفير وتفجير وتدمير وخطف للطائرات وهدر للطاقات وحجز للرهائن، وتجرم فاعلها وتبرئ الإسلام من تكلم التصرفات، منيطة ذلك بقواعد الشريعة في حفظ الضروريات الخمس: الدين والعقل والنفس والعرض والمال، وتعظيم الدماء والعهود، وتحريم الغدر والظلم، وكشف الشبه الزائفة في التكفير والتبديع والتفسيق. ثانيًا: جهود الجامعات والعلماء وأساتذة الجامعات: وهم الصفوة بعد كبار العلماء ممن تناولوا هذه القضايا النازلة بالبحث والدراسة والغوص في الجذور والأسباب والنتائج وسبل العلاج من خلال: 1- البحوث العلمية المعمقة والمركزة في هذه الفتنة، وأسبابها وتأريخها وعواقبها. 2- الأطاريح العليا في رسائل الماجستير والدكتوراة. 3- إقامة المؤتمرات العالمية العلمية، وعقد الندوات، وحلقات البحث والنقاش. 4- عقد البرامج الإعلامية الحوارية والإرشادية في وسائل الإعلام المتنوعة تحذيرًا وإرشادًا. 5- صياغة المناهج الدراسية الدينية والتربوية والاجتماعية على أساس سماحة الإسلام واعتداله. 6- الأدوار الإرشادية وكشف الشبه والتوجيه، وبيان الغوائل والعواقب من قبل طلاب العلم والعلماء والباحثين. ثالثًا: جهود وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئاسة الهيئات وأجهزة التوجيه: وهي الجهات المسئولة عن التوجيه الديني والإرشادي، إن على مستوى الوزارات أو ضمنها في معالجة هذه الظاهرة من خلال وسائل كثيرة، وذلك بقيام المسجد بدوره من خلال الإمام وخطب الجمعة والمحاضرات والندوات العلمية والوعظية، ومن خلال توزيع الكتب والنشرات والتسجيلات ذات العلاقة، ومن خلال محاصرة هذا الفكر الدخيل وتحجيمه ومحاربته وعزله عن التأثير كذلك بإيجاد البرامج العلمية والدعوية والتربوية الموجهة إلى شغل الشباب عن هذه الفتن من خلال مناح عدة، كمسابقات حفظ القرآن والسنة والنبوية، والمخيمات والمراكز الموسمية، والدورات العلمية والتوعية، والمعارض، وعرض الأخطار. رابعًا: جهود وزارة الإعلام والثقافة: وذلك من خلال إذاعة القرآن الكريم بالخصوص، حيث تتولى التوجيه الديني تركيزًا ومعالجة لهذه الظواهر من خلال مشاركة أصحاب الفضيلة من العلماء والقضاة وأساتذة الجامعات وطلبة العلم وذوي الخبرة، ومن خلال أيضًا بقية الإذاعات والصحف والمجلات والبرامج التلفازية في القنوات الأولى والثانية والإخبارية، حيث برزت معالجة هذه الحوادث من عدة زوايا دينية وعلمية اجتماعية وثقافية وتربوية، ومن خلال برامج حوارية وندوات وأحاديث وتوجيه، وإن كانت في الجملة دون المستوى المطلوب والمأمول بالنظر إلى أثر الإعلام بمستوياته في التوجيه والتأثير والعلاج. خامسًا: جهود المؤسسات العلمية الخيرية: وهي المؤسسات غير الربحية التي لها جهود علمية خيرية في دعم البحث العلمي وحركة العلم والتوجيه والثقافة في المجتمعات، وفي بلادنا المملكة العربية السعودية ترث هذه الجمعيات الخيرية والمراكز البحثية والجهات العلمية التي تحظى بالباحثين العلماء، وتعنى بالبحوث والدراسات ولا سيما في النوازل التي تصيب المسلمين ومن ذلك الإرهاب المذموم الناشئ عن الغلو والتطرف والعنف الديني غير المبرر وغير المقبول فقامت تلكم المراكز والجمعيات بطرح الجوائز والمسابقات للباحثين العلماء ولعلاج هذه الظواهر. والمقصود أن الجهود العلمية المبذولة في المملكة العربية السعودية في مكافحة الغلو والتشدد والعنف والإرهاب المذموم طالت أصعدة شتى وجهات حكومية ومؤسسية وشعبية عديدة من خلال التوجيه والإرشاد والتحذير من هذه العقيدة الضالة بهذا الفكر المنحرف عن الحق والعدل والقسط ووسطية الإسلام عقيدة وشريعة، وأيضًا من خلال البحث عن الأسباب والجذور والبواعيث لهذه الأفكار وردود أفعالها، ولكن الملاحظ أن المنحنى البارز في تركيز هاتيكم الجهود العلمية والدعوية المبذولة هو في الجانب الديني من خلال الوعظ ومن خلال الطرح العلمي والرصين المتميز، حيث ثقة الدولة والرعية والوافدين في الدين والعلماء ثقة قوية ومؤثرة وقد أمكن توظيف هذا الجانب بما عكس وحدة الصف من العلماء والمشايخ مع جهود الدولة في المملكة العربية السعودية في محاربة ومعالجة هذه الظواهر ولله الحمد والمنة، وثمة جهود مبذولة في العانية بالشباب -وهم عماد الأمة ومعقد الأمل- بالتوجيه والتحذير وراء المناهج الضالة سواء كانت مناهج غلو وتشدد يفضي إلى العنف والتكفير، أو مناهج انحراف وتحلل بنبذ الدين والاستقامة عليه، فهذان ضدان لا يجتمعان، ويجب من ناحية العدل والإنصاف ذمهما جميعًا. و أضاف في ختام دراسته الخاصة ب«آفاق الشريعة» كما أنه المأمول فيمن وقع من الشباب ضحية لمناهج الغلو والتكفير بالعناية بمعالجتهم المعالجة النافعة من حسن التعليم والتربية، وكشف الشبه وإيضاح الحقائق -الملبس عليهم فيها- تجاه دولتهم -المملكة العربية السعودية- وتجاه مواقفها وخصائصها الإسلامية والعلمية المميزة لها عن بقية دول المسلمين، وتجاه علمائها وقضاتها ومناهج تعليمها، وأحكامها القضائية الشرعية، كذلك من الأسباب المؤثرة في هذا الجانب إبراز خصائص ومميزات المجتمع السعودي والذي تحكم دولة -لها راعية شرعية معتبرة- وترعى دعوة. إن إبراز هاتيكم الخصائص العامة والخاصة لهما يعطي الثقة وتحقق الاعتبار لهذه الدولة والدولة والدعوية. ومن أهم هذه الخصائص: * تحكيم الشريعة الإسلامية، والتحاكم إليها، حيث عمل القضاة والمحاكم الشرعية في الخصومات والحدود والجنايات وأحكام الأسرة والأحوال الشخصية. هو بالأحكام الشرعية، وللنظر القضائي الحصانة والاختصاص عبر مجالسة المتعددة. * وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معلن بها في هذه البلاد من خلال جهاز في مرتبة وزارة يقوم بهذا الواجب عن الأمة امتثالا لقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. * وأيضًا مناهج التعليم الديني في التوحيد والفقه والحديث والتفسير والسلوك قائمة على منهاج الاستقامة في دين الله، وعلى منهج الوسطية من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم ترب على الغلو والعنف والتشدد، وإنما شأنها مكافحة ذلك بالعلم والبصيرة التي تدفع الغلو والتشدد وتحذر منه.