الواهمون كثر على خارطة الطريق، والفاشلون يزدحمون على الأرصفة، يجيدون الرمي لفظا وكتابة، وأحيانا حجرا وعنفا، لأولئك المارة المحملين بأرتال النجاح. هم الواقفون وغيرهم سائرون، وهم النائمون على وسادة الجهل وغيرهم يسبح في الفضاء، هم أولئك الزارعون للشوك وغيرهم يتفنن في ترتيب أكاليل الزهور لإيمانهم بأن القمة تتسع للجميع. مصيبة أن يعتقد «الكومبارس» أنه بطل على خشبة المسرح، فيمارس البلطجة في مشهد ينكس العقلاء الرؤوس، ويهلل الأغبياء فرحا وطربا ليؤكدوا المثل الشعبي الشهير (رزق الهبل على المجانين). كثير من أولئك الذين يقومون بدور (الكومبارس) أصبحوا أبطالا وتقدموا الصفوف، بل دورهم تحول من تابع لقائد، فالخروج عن النص وجد ترحيبا وتطبيلا وتصفيقا، ومزاج الجمهور لم يعد ذلك المزاج الذي ينقاد للغة العقل، فهو مولع بأدوار (الأراجوز) سواء على خشبة المسرح أو الحياة. الدنيا مسرح كبير، والناس فيه ممثلون، لكن من يجيد تقديم الدور النقي أصبح غبيا، ومن يجيد الدور الفاسد أصبح شاطرا، فالمعايير اختلفت، والأحكام تغيرت، ويبدو أن (الماصخ) أصبح حلوا، والسكر أصبح مرا، حتى الأذواق شعرنا بها بالمقلوب في الزمن المقلوب. لم يعد النجاح نهوضا، والفشل سقوطا، فالأخير قد يحظى بالوهج، والأول قد ينحسر ضوؤه، فالمعيار لمن يلمع في سماء الفوضى حتى لو كان في آخر الصفوف، أليست هناك أندية بعيدة عن الإنجازات تتصدر الواجهة عبر الورق والفضاء، وأندية أخرى تتفوق بالكاد نسمع اسمها، وما ينطبق على الكيانات ينطبق على الأشخاص. كل الدروب أصبحت (درب الزلق) فلم نعد نأمن من مطباتها وحفرها، سواء المصطنعة منها أو الأصلية، والأولى أصبحت ظاهرة يتقيأ منها الجميع، حتى أولئك الذين وضعوها. حتى صعود السلم في السلك الرياضي لم يعد من الأسفل إلى الأعلى، فهناك من وصل لآخر عتبة بالبراشوت، والبعض الآخر من النافذة، وكلاهما في (الهوى سوا) فقد تصدرا المشهد (بقدرة قادر)، أما أولئك الكادحون الذين صعدوا السلم حسب الأصول والمهنية والانضباط، فقد أصبحوا في هامش المعادلة لا يقدمون ولا يؤخرون بقصد أو بدون قصد في مشهد ضحك فيه البؤساء وبكى فيه المجتهدون. الصورة تكبر (بالفوتوشوب) وقد تبدو جميلة، ومن الممكن أن تمكث في خداع البعض طويلا، ولكنها حتما ستنكشف يوما ما، فالنتاج يفضح المتمكيجين، والأقنعة لا بد أن تنكشف، والزيف مهما صمد لابد أن يغرق يوما في بحر الحقيقة. هل اتضحت الصورة لكم؟ هل اكتشفتم أولئك (الواهمين)؟ هل عرفتم أصول اللعبة؟