العنجهيون المعروفون بفرض أسلوب شخصي على الغير أينما كان نوع وشكل هذا الأسلوب، هم في الغالب يحملون التصرف العشوائي المليء بنفس الضجيج، والبعيد عن روح اللباقة والذوق العام، ذلك التصرف الممزوج غالبا بالفوضى المنظمة ربما، أو المتناسي للغة الهدوء والسكينة. والناظر من زوايا متعددة لبعض السلوكيات والتصرفات العنجهية التي تصرخ منها لغة الأنا والكبر تجدها صارخة في كثير من أحوال مجتمعنا، ولا أنسى اللقاء والحوار الذي جمعني قبل سنوات بالدكتور مصطفى محمود - رحمه الله - بالقاهرة وحواري معه حول كتاب الأمير للفيلسوف ميكافيلي وفلسفة التسلط عنده فقال: "التسلط والعنجهية سلوك فطري في بعض أفراد مجتمعنا العربي، تفرضه البيئة قبل الثقافة، وربما شبح الزعامة أو الرجولة والهيلمانات المصطنعة". والمتأمل في القرآن الكريم لهذه الظاهرة يجد أن القرآن الكريم كشف وحذر من أسلوب وسلوكيات العنجهية، قائلا : "ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا". فالعسكري ربما يمارسها في السوق والمطار والشارع لإحساسه بنشوة الزعامة اللحظية ، وبعض رجال الهيئة يمارسها أحيانا في الأسواق باسم الوصاية على الدين ، فالضجيج ونبرة الصوت المستأسدة، والمشي بخطوات متعالية ربما كانت زاوية عنجهية مؤلمة. ولعل هذه الروح العنجهية لا تنفك كذلك عن بعض الأئمة والدعاة الذي تجد خطابه الديني الوعظي مشحوناً بنبرة ثائرة تشعرك من خلالها بأن الجالسين هم من كبار العصاة المستحقين للخلود الأبدي في النار ، موجها الخطاب بطريقة تقليدية الصياح أبرز علاماتها. كما أنها روح فطرية ملازمة لبعض الآباء الذي لا يفقه من أبجديات التربية والحوار مع أبنائه إلا رفع العصا والصراخ. فالعنجهية الأبوية المتعالية ربما تمارس كذلك خارج البيت ليراها الناس لفهمهم أنه حازم ومرب قوي، ولعل العنجهية كصورة لمجتمع يحاول التحضر تحاصرنا في بعض سلوك الموظفين في دوائرنا الحكومية. وربما كان الحدث الأكبر والمؤلم للثقافة العنجهية تراه في بعض وسائل الإعلام والترويج للشائعات والتضخيم. وفي المقابل تجده في تهميش الأفكار المعروضة على طاولة الرأي أو الحوار أو النقد من أي شخص ، فطرق التصنيف أو التحيز أو التمذهب أو التعصب علامة أن بعض رواد عالم العنجهية مصادمون للحرية الثقافية والمعرفية التي يحتاج منّا أولا إلى إحسان الظن دائما فيما نراه أو نسمعه. والعنجهية الكبرى بكل صورها لن تصادر الحريات ، وتروع الآمنين ، وتقتل الأبرياء ، وتسلب الكرامة ومازالت هي هوية وسمة الصهيونية العالمية التي تحاول بشتى الوسائل تغذية الصراعات والفوضى في دول الشرق كما يقال. لذا ستظل هذه العنجهية أداة ونواة لتصدير ثقافات العنف والبطش، فالعالم لا يزال يتذكر التنديد الذي قالته الوزيرة الاشتراكية "مارتين اوبري" على العنجهية التي تمارسها الصهيونية وأمريكا باسم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان حيث قالت : «ستظل الحرب على العراق أول جريمة كبرى ضد الإنسانية في القرن الحادي والعشرين» ، ولم تعلم أن ويلاتها وآثارها خلفت دولا وأحزاباً وجماعات.. العنجهية هي علامة فخرها وتفردها. الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل