في العيد يجمل التسامح، وفي العيد يستحسن العفو، وفي العيد يحق للنفوس أن تصفو من أدرانها، والقلوب من أحقادها، وأن يسمو الإنسان بمشاعره ليصل إلى درجة عالية من النقاء والشفافية، فتتلاشى المشاعر السلبية، وتحل محها العواطف الجياشة بالرحمة والنبل والقيم السامية، ليعود للعيد وجهه المضيء. لقد أثقلت النفوس أحداث جسام، وكدرت الخواطر فتن لا تزال تطل برأسها في أماكن كثيرة من عالمنا العربي.. وأرهقت العقول ظواهر مستعصية على الفهم، يرتكبها الإنسان الذي وجد ليعمر الأرض فإذا به يدمرها، ولينشر السلام وإذا به يعمل على إشعال نيران الحروب، لتأتي على الأخضر واليابس، وبذلك أصبح الإنسان عدو نفسه قبل أن يصبح عدو غيره، مع أن الأرض فيها ما يكفي البشرية ويزيد، لو تحقق العدل، وعمت المساواة، واختفى الفساد، وتلاشت الأطماع التي تدفع الكثيرين لتجاوز حدودهم، في سبيل مغنم دنيوي زائل، وكأن الإنسان لا يتعظ بما يجري حوله، وهو يعيش أو يرى حقائق الحياة، فهو إلى فناء محسوم، وإلى مصير محتوم، وأولى به أن يحيا ظروفا تضمن له كرامة العيش، وحرية القرار، وصيانة أمنه في روحه وعرضه وأرضه. ما يمور به العالم العربي اليوم من أحداث مذهلة، يدعو العقلاء لطرح أسئلة بحجم هذه الأحداث، لكن، الكل بنفسه مشغول، وعن غيره لاهٍ ومنصرف إلى أمور دنياه، تاركا أطماعه تقوده إلى طريق مسدود، ونفق ليس له حدود، واللهاث وراء مظاهر الحياة وبريقها الذي يخطف الأبصار، ونفق الطمع الذي يقود إلى تحطيم القيم، وتدمير الأخلاق، والخروج على ناموس الحياة الهانئة السعيدة، كل ذلك يفضي إلى تعاسة مستدامة، نتيجة هذا السلوكيات السلبية التي طغت على تصرفات الإنسان ونظرته للحياة، وفلسفته التي صنعتها الأوهام البغيضة، وغذتها الأحلام الشريرة التي طالما قادت الإنسان إلى حتفه، منذ قابيل وهابيل، إلى آخر الزمان. في نهاية هذه الأنفاق المظلمة ثمة بصيص نور، يلوح من بعيد، يجسد أمل الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، وسعي المخلصين فيه لإشاعة الخير والأمن والسلام، هذا الأمل هو ما يمنح الحياة جوانبها المضيئة، ويمنح الوجود أفراحه العظيمة، ما دام في هذا الوجود أناس تجمل الدنيا بهم، ليكونوا عونا على الخير، ولولا هذا الأمل لما بقي على وجه البسيطة جمال وحب وسلام، كلما أراد الإنسان ممارسة إنسانيته. والعيد واحد من هذه الفرص التي تدفع الإنسان للتأمل في واقعه، وتستقطبه لدائرة الخير، وتدفعه لتأصيل قيم تكاد تختفي من الحياة، قيم تبعث على التسامح والعدل، وتجاوز المنغصات والمحبطات التي تعترض طريق الناس والحياة، لتستيقظ في نفسه إيجابيات السلوك وسلامة التفكير، وتدفعه للتفكير في غيره بدل أن ينشغل في التفكير المطلق في نفسه، مع أن التفكير في الآخرين لا يشغل عن التفكير المعقول في النفس، ومحاسبتها وتطويعها للخير، وتهذيب شرورها وهي الأمارة بالسوء، لتكون نفسا راضية مرضية. يكفي أن ينظر إلإنسان إلى من هم دونه، ليقتنع أنه أفضل بكثير من غيره، ويكفي أن ينظر إلى من فوقه، ويجاهد لكي يصل إلى ما وصلوا إليه، وما حققوه بجدهم واجتهادهم، حيث لا شعور بالاستكبار على من هم أقل منه درجة، ولا إحساس بالدونية لمن هم أعلى منه درجة، بل تكون الرحمة سلوكا، والطموح مسلكا، وفي الحالتين لا بد من مجاهدة النفس، وردعها عن أمور الشر، إلى جانب حثها على أمور الخير. ولأن هذا الدين الحنيف باق إلى قيام الساعة، فإن الخير باق أيضا.. تجسده قيم هذا الدين، فيئا يستظل به المسلمون وغير المسلمين في العالم، وكل عيد وأنتم ومن تحبون بخير.