إن العمل التطوعي مطلب أساسي لتنمية الحياة المعاصرة في ظل التطور السريع الذي شمل جميع جوانب الحياة؛ فالانخراط فيه يكفل نهوض الحياة الاجتماعية وينسج اللحمة بينها وبين المتغيرات الطارئة على كافة الأصعدة، ولقد تم اعتماد الاحتفال باليوم العالمي للعمل التطوعي من قبل الأممالمتحدة في 17 ديسمبر 1985م، بغرض تكريم المتطوعين وتحفيزهم ودعم دورهم في التنمية الاجتماعية الشاملة، وترسيخ مفاهيم العمل التطوعي لدى أفراد المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة في سائر الأنشطة والأعمال التطوعية. ولا شك أن الحكومة الرشيدة قد بذلت قصارى جهدها في التخطيط والتنفيذ للمشاريع التنموية للنهوض بالحياة الاجتماعية، ولكن تعدد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتقنية نجم عنه تعقد الحياة الاجتماعية، ما استدعى تضافر كافة الجهود المجتمعية للنهوض بالواقع. فماذا نعني بالعمل التطوعي؟ يعرف التطوع بأنه "جهد إنساني يبذله الفرد لخدمة مجتمعه بلا مقابل، مشاركا في تحمل مسئولية المؤسسة المختصة في تقديم الرعاية الاجتماعية، وهذا البذل قد يكون ماليا أو عينيا أو بدنيا أو فكريا، يقدم بكل رضا وقناعة؛ للإسهام في تحقيق المصالح العامة. وقد يتسع مفهوم العمل التطوعي لكل عمل اجتماعي غير ربحي يقوم به الأفراد أو الجماعات لتحقيق مصالح مشتركة في تنمية المستوى المعيشي للآخرين؛ بهدف تأكيد التعاون في الجوانب الإنسانية والحضارية، وتدعيم أواصر التراحم في المجتمع الإسلامي؛ ليكون جسدا واحدا وبنيانا قويا مترابطا. ولكن من هو المتطوع؟ المتطوع هو من يتمتع بمهارة أو خبرة معينة يستخدمها لأداء واجب اجتماعي عن طواعية دون أجر، ولهذا يعتبر التطوع ميدانا خصبا لاستثمار الطاقات الشابة في خدمة المجتمع. ومن الجوانب الايجابية للتطوع إذكاء جذوة الحماس للأداء ورفع العبء المادي عن كاهل المنظمات الاجتماعية، ودفعها نحو التوسع في خدماتها، وتحسين معدل أدائها، وإتاحة ممارسة الديمقراطية الاجتماعية في التعبير الصادق عن مستوى الخدمة. والمتطوع الناجح يؤمن برسالة المنظمة ويدرك حجم مسؤوليته في تنفيذ برامجها وفعالياتها، ويتنبأ باحتياجات المجتمع. ومع وجود التنظيم الحاصل في الجمعيات الخيرية ولجان التنمية الاجتماعية تطور العمل الخيري في بلادنا العزيزة بشكل ملحوظ، وقد اتخذ التنظيم أبعاداً تنموية وتثقيفية. إن تحول العمل الخيري إلى عمل مؤسسي يسير وفق أولويات ونظم مؤسسية تهدف إلى تحسين مستوى الخدمات التي تقدمها الجمعيات الخيرية لهو حجر الزاوية في تطور العمل الخيري، ولا بد لهذا العطاء من قيادات محلية تعمل على تنظيمه وقيادته وفق أسس مدروسة وموجهة لخدمة المجتمع. واليوم باتت الحاجة ملحة لتنيظم العمل التطوعي في المملكة، ليأخذ الطابع المؤسسي وليس الطابع الفردي؛ للقضاء على الاجتهادات الفردية والازدواجية التي عادة ما تتسبب في انحسار العمل التطوعي، وتفاديا لذك يستلزم الأمر ترسيخ قواعد العمل التطوعي لدى جميع أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم وطبقاتهم؛ لتحقيق التوازن في سوق العمل التطوعي، وإحداث نقلة نوعية في مجال المسؤولية الاجتماعية عبر تعزيز مختلف القدرات. وتعترض مسيرة العمل التطوعي معوقات عديدة، من أهمها غياب النظام الداخلي في صلب الإدارة والذي يشمل الهيكل التنظيمي والفصل في الصلاحيات ومهام الإدارات الرئيسة والفرعية وإجراء الانتخابات الدورية (تداول السلطات عبر الاقتراع)، وانتهاج العمليات الإدارية الأساسية، وصياغة التقرير الختامي السنوي، وبذلك تهيمن العشوائية وتدب الفوضى في مفاصل العمل التطوعي، وتبسط مراكز القوى المختلفة نفوذها على الإدارات الرئيسة والفرعية، ويحدث هذا تصدعا في آلية اتخاذ القرار وصناعته، وتتبلور لدى فريق العمل مفاهيم خاطئة، من شأنها إيجاد ثقافة غير مؤسسية، ومن هذا المنطلق فإن هذا الأمر يقتضي وجود إستراتيجية موحدة للعمل التطوعي في البلاد، تحدد من خلالها أهداف العمل التطوعي ومجالاته وآلياته وهيكله التنظيمي ومصادر التمويل، بالشكل الذي يعمل على الارتقاء بالإنتاجية، كما يعمل على تعزيز الشراكة في العمل التطوعي بين القطاعين العام والخاص؛ لتعميم الفائدة وشمولية النفع للجميع.