يبدو ان في جعبة العاملين في المجال الصحي الكثير بخصوص تطوير الهيئة السعودية للتخصصات الصحية الذي كان جلياً في تعليقاتهم وردودهم على مقال الاسبوع الماضي. لذا ارتأيت ان اكمل معكم ما بدأت . هذه الهيئة يديرها خيرة رجال الوطن منذ انشائها والى الآن وانا متأكد ان صدورهم ستتسع لما اقول لأنهم ينشدون رفعة شأن هذا الوطن ويهمهم رأي الممارسين الصحيين المستفيدين من خدماتها. حقيقة اني اتعجب وغالباً ما أطرح هذا السؤال: لماذا نسلك الطريق الصعب في حلولنا ؟؟ لقد احترت في اجابة هذا السؤال خصوصاً اذا كنا نبحث في امر من امور الدنيا كتنظيم ممارسة مهنة الطب وقد سبقنا في تنظيمها أممٌ من قبلنا وأوجدوا لها تنظيمات في غاية الدقة !! فلماذا لا نستنسخ هذه التنظيمات؟ ولماذا لا نستعين بهذه المنظمات على الاقل في البدايات التي تكون البداية فيها هي الاصعب؟ انا أؤمن بأننا بحاجة الى قادة غير نمطيين في تفكيرهم ويملكون رؤية هوليكوبترية يستطيعون ان يروا من الاعلى كامل الغابة وليس رؤية مكتبية تجعلك ترى فقط الشجرة التي أمامك ولا ترى كامل الغابة. فاما ان نستمر على ما نحن عليه ونراوح مكاننا أو ان نتطور ونبحث عن البديل الأفضل. القيام بكل شيء أو ما يعرف "بسياسة التكويش" تضعف العمل المؤسساتي وتجعل المخرجات ضعيفة لا ترضي المستفيد ولا ترضي مقدم الخدمة. والهيئة السعودية للتخصصات الصحية لها مهام رئيسة وأخرى فرعية فأما الرئيسة فهي تسجيل وتصنيف العاملين في القطاع الصحي في المملكة لكن يبدو انها انشغلت بمهام عظيمة أخرى وهي الدراسات الطبية التخصصية العليا والاشراف عليها. ولو استطعنا ان نقنع القائمين على الهيئة بالتخلي عن مهام التعليم العالي في التخصصات الطبية ونجعلها تتفرغ لمهامها الاساسية فإن هذا انجاز عظيم في حد ذاته. طبعاً يجب ان نأتي بالبديل الأفضل للدراسات الطبية وأعتقد اننا بحاجة الى خارطة طريق لنقل مهام التعليم الطبي التخصصي من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية الى كليات ملكية في التخصصات الطبية المختلفة تنشأ لهذا الغرض . عندما اختار النموذج البريطاني ليس لأنني تلقيت تخصصي الطبي في بريطانيا بل لأن جميع دول العالم تنقل التجارب البريطانية، حيث هم الاقدم في عمل هذه التنظيمات الطبية. والبريطانيون شعب يبدع في التنظيم لذلك كان الالمان يقولون عنهم اثناء الحرب العالمية الثانية: " البريطانيون ليسوا محاربين عظماء لكنهم عظماء في التنظيم". عندما نتكلم عن خبرة البريطانيين فيكفي ان نعلم ان المجلس الطبي البريطاني أنشأ في بريطانيا بناء على مرسوم طبي (Medical Act) صدر في عام 1858م. ولو تأملنا المهام الرئيسة لهذا المجلس لوجدناها كالتالي, أولاً: التأكد من وجود سجل محدث للأطباء. ثانياً: تبني أنظمة وسياسات تجعل ممارسة العمل الطبي على أرفع المستويات. ثالثاً: وضع معايير عالية للتعليم والتدريب الطبي. رابعاً: الوقوف بقوة وبعدل امام الاطباء الذي يدور شك حول ممارستهم الطبية. أما بالنسبة للأول فالمجلس الطبي البريطاني يختص بالاطباء فقط وذلك لأنهم بلغوا من التطور في التنظيم بأن اصبح لكل مهنة نقابة ينتمي لها اصحاب المهنة ويتم تسجيلهم. أما بالنسبة لوضعنا في السعودية فأنا مع الوضع الحالي وهو ان تقوم الهيئة بتسجيل جميع الممارسين في المهن الصحية وليس الاطباء فقط. واما بالنسبة للثاني فالمجلس الطبي البريطاني حدد مهام الاطباء ومسئولياتهم بكل دقة وأوضح في منشوراته كل ما يمس علاقة الطبيب المهنية وهي كثيرة منها على سبيل المثال الحدود المهنية بين الطبيب والمريض والعلاقة المالية في الممارسة الطبية وتضارب المصالح والطبيب وشبكات التواصل الاجتماعي، ونحن بحاجة ماسة الى ان تُفعل الهيئة السعودية هذا الجانب المهم جداً لدى الممارسيين الصحيين. أما بالنسبة للثالث فأرجو ألا يُفهم ان المجلس البريطاني الطبي يقوم بمهام التعليم والتدريب وإنما يضع المعايير فقط ، فدور المجلس اشرافي للتأكد من ان كليات الطب والكليات الملكية للتخصصات الطبية المختلفة تقوم بواجبها الطبي على اكمل وجة لتخريج اطباء يستطيعون تقديم الرعاية الطبية الممتازة للمريض وليس كما تفعله هيئتنا الغارقة في التعليم والتدريب من رأسها الى اخمص قدميها. اما بالنسبة للرابع وهو الوقوف بقوة وبعدل أمام الاطباء الذين يدور شك حول ممارستهم الطبية وإن كانت علاقة المجلس الطبي البريطاني هي علاقة غير مباشرة إلا انها تستقبل الشكاوي سواء من المرضى أو من العاملين في القطاع الصحي وتحيلها الى محكمة الممارسين الطبين (The Medical Practitioners Tribunal Service (MPTS) التي انشأت حديثاً في بريطانياً وتعمل جنباً الى جنب مع المجلس الطبي البريطاني اما هيئتنا السعودية وان كانت لها علاقة بما يتم اتخاذه من احكام ضد الاطباء. إلا ان العبء الكبير في تلقي الشكاوى الطبية يقع على عاتق مديريات الشئون الصحية و على ديوان وزارة الصحة في الرياض ومازلت أتذكر انني كتبت في هذه الصحيفة الغراء قبل ما يقارب العشرين سنة وبعد انشاء الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. مطالباً بأن يكون للهيئة دور إعلامي يوجه للممارسين الصحيين لتوعية الاطباء بالأخطاء الطبية مثل ما يقوم به اتحاد الدفاع الطبي البريطاني (MDU) من ارسال مجلة فصلية تنبه الأطباء من ارتكاب أخطاء طبية وتنقل لهم أمثلة حية عن المحاكمات الطبية.. وللحديث بقية. * استشاري كلي ومتخصص في الإدارة الصحية