ربما أصبحت التسريبات التي كشف عنها إدوارد سنودين، مسرب المعلومات من وكالة الأمن الوطني، خبراً قديما في الولاياتالمتحدة، ولكن ذلك يبقى مصدراً مستمراً للقلق بالنسبة للأوروبيين، وما يعتمل في نفوسهم من مشاعر الإحباط من حيث كونهم عاجزين عن عمل أي شيء حيال سيطرة الولاياتالمتحدة على عالم الإنترنت. ومثالاً على ذلك ما نشرته مجلة دير شبيجل الألمانية الأسبوعية حول تسريب آخر لسنودين يتعلق ببرنامج سمي خارطة الكنز، وهو الزعم بوجود محاولات لرسم خريطة لكل الإنترنت تتضمن كل مستخدم نهائي لجهاز كمبيوتر يستقبل الإنترنت. ومن الواضح أن ذلك يشمل اختراق خوادم أكبر مزود لخدمات الإنترنت في ألمانيا، وهو دويتشه تيليكوم (الاتصالات الألمانية)، التي لديها 60 مليون زبون ممن يحملون جهاز الجوال أو يستخدمون الهاتف الثابت، أو يستخدمون الإنترنت السريع ذا النطاق العريض في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 80 مليون نسمة. وربما قامت المخابرات الأمريكية أيضاً باستهداف مزودين آخرين لهذه الخدمة من الألمان، ومن الممكن أن يكون ذلك عن طريق الدخول إلى البيانات الشخصية، وذلك في خرق واضح للقوانين المحلية. ربما تعمل مسألة خارطة الكنز على زيادة مشاكل ألمانيا مع عملية جمع المعلومات التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية ورفع هذه المشاكل إلى مستويات جديدة. وخلافاً لعملية الدخول إلى جوال المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل -وهي الحالة الوحيدة التي تخضع حالياً للتحقيقات- إلا أن هذا أصبح يهم كل مستخدم ألماني للإنترنت. وأصبح مجلس التحقيقات في البرلمان الألماني يظهر اهتماماً بالفعل في هذا الموضوع. ومع ذلك وبعيداً عن عملية إبعاد مسؤول التجسس الأمريكي التي تحدث بين الحين والآخر، ليس أمام ألمانيا سوى مجال محدود من حيث قدرتها على التعبير عن عدم رضاها لدى حكومة الولاياتالمتحدة، وهو أن الدولتين عليهما إظهار موقف موحد في جبهة واحدة حيال الإحساس بالتهديدات المشتركة التي تأتي من كل من روسيا والمسلحين الإسلاميين في سوريا والعراق. الشركات الأمريكية مثل أبل وفيس بوك وجوجل ومايكروسوفت وياهو، التي ينظر إليها اليوم على أنها قنوات للتجسس الأمريكي، هي قصة مختلفة. والقصة الأخرى متعلقة بجوجل التي تواجه بالفعل صعوبات مع قوانين «الحق في النسيان» وقضية احتكار مثيرة للشكوى المستمرة في أوروبا، والتي سببت غضب وزير الاقتصاد الألماني، سيجمار جابرييل، الذي كتب بأنه يجب تفكيك «رأسمالية البيانات التي ازدادت جموحاً وخرجت عن السيطرة». وبالرغم من أن جابرييل لم يشر إلى وكالة الأمن الوطني الأمريكية مباشرة، إلا أنه قام بإشارة غير محببة إلى «حفنة من الشركات الأمريكية التي تحوز على شكل من أشكال الثقة العالمية التي يمكن ألا تسيطر فقط على الأنشطة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، ولكن على أكثر من ذلك». وعلى هامش ذلك، كتب الناشر صاحب النفوذ المؤثر، ماثياس دوبفنر، وهو الرئيس التنفيذي للشركة الإعلامية، أكسيل شبرينجر، في رسالة مفتوحة وجهها إلى رئيس جوجل، إيريك شميدت، حملت العنوان، «لماذا نخاف من جوجل». تبذل الشركات الأمريكية كل ما في وسعها للسيطرة على الضرر. وكان شميدت أخبر صحيفة الفايننشال تايمز أنه يُعارض مشاركة جوجل في برامج وكالة الأمن الوطني الأمريكية. وياهو نشرت وثائق كانت سرية حتى الآن، قدمت للمحكمة في عام 2008 وتبين أن الحكومة الأمريكية أجبرتها على كشف بيانات مستخدميها واستخدمت المحاكم لفرض أمر مكمم للأفواه فيما يتعلق بممارساتها. ومع ذلك، وبغض النظر عن رأي الشركات، فهي لا تستطيع تغيير حقيقة أنها ساعدت في التجسس وستبقى مستمرة في ذلك ما دامت الحكومة تطلب ذلك. لا يستطيع الأوروبيون عمل الكثير لمواجهة السيطرة العالمية للشركات الأمريكية. فمثلاً تسيطر جوجل على 90% من حصة البحث في ألمانيا. وفيسبوك قتلت بالفعل شبكات التواصل الاجتماعي الألمانية، مثل لوكاليسين وفي زي نيتفيركه VZ Netwerke، وهو نفس ما فعلته في أنحاء أوروبا. وتقع ألمانيا الآن في المرتبة الخامسة بين دول العالم من حيث حركة فيسبوك. وسواء وجدت وكالة الأمن القومي أو لم توجد، فسيبقى الألمان وغيرهم من الأوروبيين يستخدمون الخدمات الأمريكية لأنه لا يوجد مثيل محلي لها. ومع ذلك تخطط الآن أكبر شركة إنترنت ألمانية، وهي روكيت إنترنت، لطرح أولي لأسهم عامة بقيمة مليار دولار، وهي متخصصة بتقليد نماذج الأعمال الأمريكية، والدخول إلى أسواق لم يتمكن الأمريكيون حتى الآن من الدخول إليها. يستطيع المسؤولون التنظيميون في الاتحاد الأوروبي الضغط على الشركات الأمريكية، ويستطيع السياسيون الإعراب عن غضبهم من حب الاستطلاع الزائد لوكالة الأمن القومي الأمريكية، ولكن حالة الأمر الواقع لن تتغير ما لم تظهر شركات منافسة أوروبية موثوقة تقف في مواجهة عمالقة سيليكون فالي، بحيث يعمل هؤلاء المنافسون حسب القوانين المحلية الأوروبية ويكسبون قلوب مستخدميها.