قبل أسبوع عاد الكثير من الأدباء والمثقفين من إجازاتهم إلى الحياة الروتينية، مدججين بما اكتسبوه من طاقة معرفية وروحية وتجارب ثقافية، ما حدا ب"الجسر الثقافي" عمل استطلاع لمعرفة كيف تنظر هذه الشريحة للعطلة؟ وهل تعتبرها موسما للراحة فقط كما ينظر لها سائر الناس؟ ام يعتبرونها فرصة لاستثمار ثقافي ولكن من نوع مختلف؟ أم أن علاقتهم بالكتاب تتعطل ليلتفتوا إلى أسرهم ومجتمعاتهم؟. الاستمتاع بالفوضى في البدء قال القاص ناصر الحسن: إن الإجازة بالنسبة إليه "هي أن أستمتع بالفوضى! أن أكسر روتين الصرامة، أن أهشم فوانيس اللحظة والثانية المحسوبة، بعد عام حافل بالركض في دهاليز الحياة، أستيقظ متى شئت، وأنام متى شئت، بعيدًا عن ضبط المنبه، وصفير الأجهزة الذكية". ويضيف الحسن: "نعم قد تكون الإجازة بالنسبة لي استراحة جسدية من عقارب الوقت، وخلعا لقميص الانضباط، ولكن لا يمكن أن أبددها في الكسل، وأجعلها تتلاشى من غير أن ألتهم أكبر كمية من الكتب، وأكبر كمية من الأفلام الوثائقية والفكاهية، فقلقي الوجودي يكمن في أن أذهب إلى العالم الآخر ولا أجد مكتبة، أو سينما". ويختم قائلا: أقضي الإجازة في سفرة قصيرة إلى دولة مجاورة، وباقي الأيام استمتع بها مع العائلة، والسهر مع الأصدقاء. أستمتع بكل جوارحي، وأغلق الجوال، وأذهب للتنزه في الأماكن الطبيعية، وكأني أراها لأول مرة. أحاول أن أستشعر الدهشة، وأيقظ حواسي كيلا تفقد مرانها، وأطلق الطفل الذي بداخلي لكي أنسى أني كبرت. انشغالات ومثاليّة من جهته يقول الشاعر جاسم عساكر: لا أريد التحدّث بجدية حادة حول أهمية اللهاث الفكري في تقطيع أوصال الإجازة وأن أتنطع بأني قضيتها منكبا على الاطلاع والدرس والكتابة. لأن ذلك لا يتأتى أصلا مع الإيقاع اليومي السريع والأحداث المتلاحقة. ولن أقول - بمثالية عالية - تم استغلال كل ثانية علما وفائدة. أصغيت كثيراً لثرثرة زوجتي، وتذمرات إخواني، وزرت ورشات تصليح السيارات كثيرا لرداءة ما أركب منها. تابعت التلفاز، وبكيت العراق ورثيت غزة. سهرت مع الأصدقاء ولم أسافر مع العائلة، استحضرت درويش و(فكرت بغيري) وأنا أسدد فاتورة الكهرباء، وفكرت بنفسي أن أكون شمعة في ظلام الآخرين. ويضيف: من زاوية أخرى كانت الإجازة بالنسبة لي محطة راحة نفسية بقدر ما كانت مرهقة جسديا، حيث كنت منهمكا شغلا للانتقال من شقتي الصغيرة إلى منزلي الجديد. ويختم عساكر قائلا: في إجازتي هذه أيضا رغم كل ما ذكر أعلاه لم يكن الأدب متخلفا تماما عن حضور اجتماعاتي بنفسي، حيث كنت أستدير معه على طاولة واحدة عاكفَين على إعداد وترتيب وريقات ديواني الجديد، ويشرفني بالمناسبة أن أوجه تحية لأدبي الشرقية على تبنيه طباعة الديوان وبالخصوص رئيسه خليل الفزيع الذي طالما كان مشجعا وداعما بنبله وتواضعه وتواصله. جزء من التكوين الناقد حمد الرشيدي أكّد استمرار علاقته بالقراءة قائلا: "أظل طوال العام تقريبا على اتصال شبه مستمر مع القراءة والكتابة حتى في إجازتي السنوية، ويظل الكتاب والقراءة والاطلاع رفيقي الذي يلازمني في كثير من الأحيان، إلا في حالات نادرة كالمرض او السفر بعيدا عن مقر إقامتي لظرف طارئ". ويضيف: على الرغم من ان مثل هذه المشاغل والظروف الحتمية تحدث لي احيانا، وقد تستمر أسبوعا او أسبوعين الا انني سرعان ما أعود مجددا بشغف كبير للقراءة والاطلاع والكتابة بعد زوال حدة هذه الظروف الشخصية او الطارئة، خلال مثل هذه الظروف قد لا أكون مستعدا نفسيا او ذهنيا او بدنيا لممارسة الإبداع، وكتابته بالشكل المناسب ولكن هاجس الكتابة والقراءة والاطلاع والإبداع لا يفتأ يرافقني أينما حللت ورحلت وفي أي وقت، بمعنى آخر اشعر بان الأدب والإبداع والثقافة والمعرفة المتجددة في حياتي يوما بعد آخر قد أصبحت جزءا أساسيا من تكويني النفسي والمادي والمعنوي والحيوي. ويختم بالقول: أما فيما يخص إجازتي هذا العام فلم احصل على اجازة طويلة، فإجازتي لم تتجاوز عشرة ايام قضيت بعضها بمدينة الرياض (مقر إقامتي الدائم) وما تبقى منها قضيته بين الأقارب خارج الرياض ومشاركتهم بمحافل الأفراح وحفلات التخرج والمناسبات الخاصة. إدمان القراءة ويؤكد القاص أحمد العليو "أنّ القراءة ممارسة يومية، لا يدرك قيمتها إلا منْ يزاولها، ومع مرور الوقت لا يستطيع الإنسان الذي تربطه بالكتابة علاقة حميمة أن يجرح هذه الممارسة بعدم معانقتها، فإن لم يمارسها فإنه يشعر بأنه وطأ منطقة محرمة، وما إن يضع رأسه على وسادة النوم حتى يشعر بوخزات في داخله". ويضيف: لذلك الإنسان المنسجم مع طقوس الأدب وممارسة الكتابة ليس لديه موسم أو فصل ينقطع فيه عن الفكر والأدب، بل هو فعل يومي ليس محصورا في زمن معين أو مكان محدد. والإجازة ليست محطة استرخاء بل هي موسم لرحلة فكرية جميلة نظرا لاتساع الوقت وعدم الارتباط بالعمل وغيرها من شؤون الحياة، وهي فرصة كبيرة لتكثيف الجرعات الفكرية والأدبية. ويختم العليو قائلا: حتى إذا قام هذا الإنسان بالسفر إلى دولة ما في إجازته، فأعتقد أنّ هذه الرحلة لن تأخذه بعيدا عن أجواء القراءة، بل يجدها فرصة ذهبية لزيارة المكتبات والمواقع التي تهتم بالفكر والأدب. خارج التّحكم ويقول القاص جعفر البحراني: تبقى الإجازة فعلا طبيعيا لتغير الروتين في الواقع الحياتي لكن الأفكار التي تدور في البال، ولا يمكن أن نأخذ منها إجازة بل لعل بعض الأفكار تنضج وتتبلور في هذا الجو غير المزدحم بصخب الحياة بمختلف فصولها بين البيت والعمل ومتطلبات المعيشة. ويضيف: الحركة الذهنية لا يمكن التحكم بها لأن الأفكار تنقدح بشكل عفوي من خلال مختلف الحواس، إذ لعل رؤية شيء معين أو سماع صوت معين أو حتى شم رائحة معينة أو تذوق طعم معين أو لمس سطح معين، كلها جوانب معينة قابلة لأن تقدح فكرة في الذهن. وسواء الفكر أو الأدب فلا يمكن أن نأخذهم في إجازة كون الذهن يشتغل بهذه الأمور بشكل تلقائي نوعا ما. ضدّ التوقيت الإعلامية والقاصة زينب الهذال رأت أنّ "المثقف داخلنا هو آخر حيز يطلب الراحة لأن الأفكار والكتابة امور لا يحدها توقيت خصوصاً إن كانت إبداعية، وقد تخدمنا الإجازات عادةً بزيادة كمية النهل من المصادر أو الكتب أو التجارب الجديدة لكرمها في ساعات الفراغ. وتختم بالقول: لذا فإن إجازتي التي كانت عائلية بالدرجة الأولى خدمت الجسد فقط في إعادة شحن عطائه للوفاء بالمتطلبات الروتينية التي تنتظره بعدها، اما الفكر فهو حالة مستديمة العمل غير قابلة للتوقف الإرادي.