التحرش الجنسي مشكلة تعاني منها المجتمعات بمختلف أنواعها، وهو عبارة عن أي فعل غير مرغوب به يسبب انتهاكاً أخلاقياً سواء بالقول أو الفعل أو كليهما، ومواجهة هذه المشكلة تتطلب العديد من الاجراءات لعل أهمها التوعية بمخاطرها مسبقا، وكذلك الإبلاغ عنها حال وقوعها. ولعل ما يزيد مشكلة التحرش الجنسي -حسب مختصين- عدم الابلاغ عنه، وسبب ذلك يعزونه للخوف والقلق والشعور بالذنب أو الخجل والألم، وكذلك نظرة المجتمع، ما يتطلب ضرورة التوعية بهذه المشكلة وإبراز دور الأسرة في مواجهتها قبل وقوعها من خلال توعية أفراد الأسرة وتربية أبنائهم وتثقيفهم بهذه المخاطر. وقال الاخصائي الاجتماعي عباس الرضا: ازدادت في الاونة الاخيرة مشكلة التحرش الجنسي، وهي مشكلة تعاني منها مجتمات عديدة، ويقصد بالتحرش هو أي فعل غير مرغوب به يسبب انتهاكا أخلاقيا سواء بالقول أو الفعل أو كليهما، مبينا أن الاسباب المؤدية لمثل هذه الافعال كثيرة منها، تسليم تربية الأبناء بشكل كامل للعاملة المنزلية، خجل المربين من تربية أبنائهم جنسيا وتثقيفهم، عدم مراعاة اللباس المحتشم داخل وخارج المنزل. وأضاف: إن المجتمع والأسرة والوالدين تحديدا لهم الدور الهام والرئيس لتوضيح وتثقيف الأبناء وعدم الخجل عن الحديث في هذه المشكلة، فهذا أمر لا بد منه، والتوضيح للأبناء بطريقة علمية مبسطة عن مناطق الجسم وكيفية المحافظة عليها، فهذا أمر هو جنب إلى جنب في تعليمهم كيفية الطهارة وقضاء الحاجة. وقال: كما الاسرة تخجل من التثقيف الجنسي للأبناء، فهي أيضا تخجل من الحديث أو السعي حتى عن طرق معالجة أو التعامل مع حالات التحرش، ويجب على المربين رفع الخجل (لا حياء في الدين) وتنوير الابناء وتعويدهم على الإفصاح عما يتعرضون له وكيفية التعامل معه. وبين المستشار الاسري والتربوي الدكتور عماد الرمضان أن الملاحظ والمعروف أن المجتمعات المتطورة المتحضرة تعالج قضاياها بنوع من الانفتاح، والمشورة، والتخاطب، والتدارس من أهل الفكر والمعرفة؛ من أجل الوصول إلى حلول وأفكار عملية تصب في مصالحها وتعالج قضاياها، غير أن مجتمعاتنا العربية وعلى وجه الخصوص "الخليجية" ما زالت تعالج القضية بنوع من الاستحياء، والخجل والخوف من المجتمع، رغم أن المشكلة في حد ذاتها هي مشكلة اجتماعية تتكرر كل يوم، وتؤثر على النسيج الاجتماعي والعائلي لكل من يتعرض لها، فمشكلة التحرش الجنسي لم تعد مشكلة يُسدل عليها السِتار بعد وقوعها، بل يجب التنبيه عنها وعليها قبل وقوعها، فتثقيف الآباء لأبنائهم عن هذه المشكلة مطلب ضروري، منوها إلى دور المدرسة في مواجهة هذه المشكلة وضرورة إعداد برامج لمواجهتها. وأكد أن التحرش الجنسي شبح بغيض، لم يعد ينفع التستر عليه بمسمى الحياء والخجل، بل أصبح لزاما على الآباء والمربين ووسائل الإعلام تسليط الضوء عليه بنوع من الجدية وبمنتهى المسؤولية؛ حتى ننعم بجيل قادر على حماية نفسه، ويكون لدى كل متحرش رادع يردعه وليفكر ألف مرة قبل أن يقوم بفعل مشين. وأوضح الأخصائي النفسي الأول والمستشار الأسري صالح عبدالله البراك أن الأبناء والكبار على حد سواء يبدون الكثير من التردد في الإفادة بتعرضهم للاعتداء الجنسي ولأسباب عديدة، قد يكون أهمها السرية التقليدية النابعة عن الشعور بالخزي الملازم عادة لمثل هذه التجارب الأليمة وانعكاساتها على شخصيته في المجتمع، ناهيك عن سبب آخر يزيد من ألمه وهو صلة النسب التي قد تربط المعتدي جنسيا بالطفل، ومن ثم الرغبة في حمايته من الملاحقة القضائية أو الفضيحة التي قد تستتبع الإفادة بجرمه. وأضاف: يعتقد معظم الخبراء أن الاعتداء الجنسي هو اقل أنواع الاعتداء أو سوء المعاملة انكشافا؛ بسبب السرية أو "مؤامرة الصمت" التي تغلب على هذا النوع من القضايا. فالشخص الذي يتعرض للتحرش يصمت ولا يفصح غالبا عن مشكلته بسهولة؛ لخوفه أو لوقوعه تحت تهديد الجاني أو جهله بحقيقة ما يتعرض له، وكذلك الأسرة تصمت خوفا على سمعة العائلة ودرءاً للفضيحة والعار ولعدم رغبتها في التعرض لمشكلات قانونية قد لا تحسم لمصلحتها. كما يبقى المجتمع في بوتقة الصمت نفسه حفاظا على العادات، فأصبحنا نشم رائحة الانتهاك من دون أن نتعب أنفسنا في تعقب مصدرها، تاركين الابن وحده يدفع ثمن جريمة أخلاقية تتحمل مسؤوليتها الأسرة بل المجتمع كله بشكل أو آخر. وحول صمت الشخص المعتدى عليه أرجعه الأخصائي البراك إلى أن المعتدى عليه يتولد لديه إحساس بالذنب ويبدأ في تحميل نفسه مسؤولية كل ما حدث حوله، وخوفه من الشخص الذي اعتدى عليه، ففي كثير من الحالات يقوم الجاني بتهديده وكذلك خوفه من ردة فعل والديه خاصة أن موضوع الجنس يعتبر كابوساً مظلماً داخل الأسرة وفي المدرسة.