بكاء مستمر ونوم مضطرب وعزلة عن أقرب الناس، هذا ما وصفته أم لحالة طفلها «مصطفى» -ذي التسع سنوات-، بعد أن تم اغتيال براءته عندما تعرض لتحرش من قبل أحد أقاربه، مما تسبب بسوء حالته النفسية وفقده الثقة في الكثير ممن حوله، إضافةً للمشاكل الكبيرة التي إنتابت العائلة بعد هذه الحادثة، والتي تسببت بشرخ كبير في علاقات العائلة. وتأتي تفاصيل القصة عندما تفاجأت الأم ببكاء ابنها بطريقة «هستيرية»، رافضاً توضيح السبب، حيث توقعت في بداية الأمر أن السبب هو خلاف بينه وبين أحد أخوته على أمر ما، إلا أن طريقة بكائه واختبائه في غرفته جعلها ترتاب من الأمر، لتكتشف بعد ذلك بأنه تعرض ل»تحرش» أثناء تواجده في منزل أحد الأقارب!. وتتعرض الكثير من السيدات والفتيات في الأماكن العامة وبيئات العمل المختلطة إلى مضايقات من قبل بعض الطائشين، سواء بكلمة أو نظرة لتصل في بعض الأحيان إلى اللمس!، وهناك الكثير ممن فضلوا الصمت وعدم التحدث عما تعرضوا له خشية لسان المجتمع، الذي يعشق تناقل ما تتعرض له الأسر من حوادث ومشاكل، يضاف إليها الكثير من الإشاعات والأكاذيب لتتحول الضحية فيما بعد إلى جانٍ أو معتدٍ. نظام مكافحة التحرش وجاءت فكرة مشروع نظام مكافحة التحرش الذي يدرسه حالياً مجلس الشورى كحل تنظيمي للحد من المشكلة، وتجريم مرتكبها، وتطبيق العقوبة بحقه، ولكن الدراسة يبدو أنها ستأخذ وقتاً طويلاً للانتهاء منها وإقرارها من الجهات المعنية، والسبب بحسب ما ذكره «د.عازب آل مسبل» -عضو مجلس الشورى- أن المشروع يعنى بمكافحة التحرش الجنسي في بيئة العمل وعُرض على لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان ثم تم تحويل المشروع إلى لجنة الأسرة والشباب في المجلس، وذلك لوجود نظام يناقش هذا الموضوع بالذات كجزئية من جزئياته، تحت مسمى الحماية من الإيذاء، ويشمل التحرش الجنسي، وهذا ما دعا إلى تحويلها لهم باعتبارهم اللجنة المختصة، ملمحاً إلى احتمالية دراسة المشروع من خلال نظام لجنة الأسرة والشباب أو بدراسته بشكل مستقل. نحتاج إلى «قانون» يعاقب المتحرش قولاً وفعلاً ويحد من «استهبال بعض الشباب» أهمية قصوى وأكد «د.آل مسبل» على أن حكومة المملكة والتي تحتكم بالكتاب والسنة، تولي هذا الشأن أهمية قصوى، بل وتكافح التحرش والأفعال المشينة من خلال الجهة المعنية في مثل هذه القضايا، والممثلة بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تقوم بواجبها وبعملها وفق نظامها، حيث يُحال من يثبت عليه القيام بالتحرش إلى الجهة المختصة والحاكم الشرعي الذي يقضي بما يراه مناسباً مع الواقعة وفق الشريعة الاسلامية. الحماية من الإيذاء وبعد أن تزايدت حالات التحرش الجنسي في الآونة الأخيرة سواء للأطفال أو المرأة العاملة، أو الفتاة في الأماكن المختلفة، وبأشكال متلونة تظهرة تارة بشكل شفهي من خلال تعليقات ساخرة أو نكات خادشة، وفي تارة أخرى يصل إلى تلميحات جسدية تسيء وتهين من يقع عليه التحرش، دعا أحد أعضاء مجلس الشورى إلى تقديم مقترح يقضي بالسجن عام والتغريم (100 ألف ريال) للمتحرش جنسياً وفق المادة الأولى من مادة مشروع مكافحة التحرش الجنسي -الذي يدرس حالياً-، والذي يعتبر أي قول أو عمل أو إشارة أو إهانة أو استفزاز أو خدش حياء الأذن والعين، جناية تستدعي العقوبة. فتاة في حالة حزن تخشى أن تبوح وتعيش مأساة الفضيحة والتحرش معاً مراقبة مستمرة وتنص المادة الثالثة من النظام -تحت الدراسة- على ضرورة أن يتحمل الرؤساء والمديرون في المؤسسات الحكومية وأصحاب الأعمال مسؤولية توفير بيئة عمل خالية من أفعال التحرش الجنسي، وذلك بإتخاذ كافة الوسائل اللازمة لنشر الوعي بخطورة مثل هذه الأفعال من الناحية الدينية والأخلاقية والنظامية، وهو ما يستدعي المراقبة المستمرة لسلوكيات من تحوم حولهم الشبهات، مع ضرورة وضع نظام فعّال للشكوى من التحرش، وإحاطة التحقيق الإداري بكافة الضمانات النظامية، وعدت الفقرة الرابعة من المادة السادسة جريمة التحرش الجنسي من الجرائم المخلة بالشرف في مفهوم نظام الخدمة المدنية ونظام العمل، وبما يترتب على ذلك من آثار نظامية. يفضلن الصمت وقد يتساءل المرء عن السبب الذي يمنع العديد من الأطفال أو الفتيات والسيدات من إبلاغ أولياء أمورهم بما تعرضوا له من تحرش جنسي وتفضيلهم للصمت، والتستر على من قام بمثل هذه التصرفات المسيئة للنفس البشرية، حيث بررت فتيات فضلن عدم ذكر أسمائهن، أو حتى التلميح لبيئة العمل التي يعملن بها؛ خوفاً من لومهن دون تفهم، خصوصاً من إخوتهم أو آبائهم الذين قد يمنعونهن من العمل. خجل الفتاة وذكرت إحداهن أن ضعف وخجل الفتاة يمنعها أحياناً من التصرف بحزم مع معاكسات الشباب، مؤكدةً على أن العديد من الفتيات لا يستطعن «الزجر» أو الصراخ في وجه المتحرش، بل يفضلن الهرب والاختباء على أن يواجهوا أو يشتكوا!. إلاّ ان أهم الاسباب في نظر أغلبية من تحدثوا هو الخوف من الفضيحة والإشاعات التي قد «يتهامز» بها أفراد المجتمع، دون التحري عن المصداقية في الموضوع. «العيب» و«الخوف من الفضيحة» أجبرا الكثيرين على «الصمت» وتحدث أمهات بأن خوف أطفالهن من العقاب الذي سيتعرضون له لاعتقادهم بأنهم مذنبون، هو ما يجعلهم يصمتون ولا يخبرون والديهم بما حدث لهم، وهو ما يؤكد ضرورة احتواء الطفل في مثل هذه المواقف، نظراً لصعوبتها على نفسياتهم. تركت عملي وتقول «نورة» -27 عاماً وتعمل ممرضة في أحد المستوصفات-: إنها قررت ترك العمل بسبب التصرفات الطائشة التي تحدث من بعض زملائها في العمل، رغم حاجتها الماسة لمصدر الدخل الذي تصرف منه على أسرتها المكونة من أم وأخوة صغار. طفلة تبكي أمام والدها دون أن تعبّر له عن «صدمة التحرش» ضعف الذات! وأكد «أسعد النمر» -الأخصائي النفسي- على أن من الأسباب المشجعة للمتحرشين لمزاولة إعتداءاتهم بحق الغير، هو وجود ضحايا لا تمتلك القدرة على الدفاع عن أنفسهم، وهو ما يؤكد أن هناك «ضعفا في تأكيد الذات» لديهم، حيث إن أغلب ضحايا هذا النوع هم الأطفال، مضيفاً أن ضعف القوانين الفاعلة التي تردع مثل هذه التصرفات، ساهمت بلا شك في تكرارها، مشيراً إلى أن «المعززات» والمثيرات التي تعرض على القنوات الإعلامية الهابطة وما ينشر في «الإنترنت» من صور، له دور في تحريض ذوي النفوس الضعيفة ليقوموا بالاعتداء والتحرش الجنسي. تأثير سلبي وتحدث «النمر» عن التأثير السلبي الذي يطرأ على نفسية من يتعرض للتحرش الجنسي، من حيث الامتهان والإساءة التي تتعرض له الذات البشرية، بما يخلق ظروفا مانعة لما يعرف ب»تعزيز الذات»، وهذا يسبب إضعاف العلاقات الاجتماعية للضحية؛ لافتقاده الثقة بالآخرين، مع الشعور الدائم بالضعف، أو أنه أقل من الآخرين، كما يؤثر أيضاً على الإنتاجية لو كان موقع التحرش في مكان العمل، ذاكراً أن الأثر سيكون أكبر عندما تكون الضحية (طفلا)؛ وذلك لكونه لا يزال يحاول خلق وتكوين ذاته بالنسبة للآخرين، وهو ما يعرض كل المجالات السلوكية والنفسية لديه للتعطل، أو في أفضل الأحوال للتأخر، وهو ما يؤثر في نمو شخصيته بشكل عام. د.عازب آل مسبل التغلب على التحرش ونصح «النمر» بضرورة تزويد الأطفال بمهارات تأكيد الذات، وتعليمهم على عدم السكوت، وذلك بالتبليغ لولي الأمر، منعاً لما قد يحصل من جراء الصمت، والذي يشجع على تكرار التعرض للإعتداء، مع ضرورة تشجيع الطفل على إبداء الرفض وعدم التجاوب مع أي تصرفات غير سوية، وذلك بعد توعيتهم وتعليمهم على الطريقة المثلى التي يفترض أن يُعاملوا بها، سواء كانوا مع الأشخاص الغرباء، أو حتى من الأقارب، خصوصاً وأن الكثير من أفراد المجتمع يخجلون من التحدث مع أبنائهم لتوعيتهم من خطر التعرض للتحرش، وهو ما يسبب في كثير من الأحيان وقوع الأبناء ضحايا دون معرفتهم بكيفية التصرف مع هذه الحالة، والتي قد تترك أثراً كبيراً في نفسيتهم لمدة طويلة، ذاكراً أن الإنتاجية قد تتعرض للتدهور سواء للموظفة أو الموظف والمتعرضين للتحرش داخل بيئة العمل، إذا لم يتم التعامل بشكل جيد مع هذه القضية. قوانين صارمة وحمّل «النمر» المناهج التعليمية جزءاً من تفاقم هذه المشكلة، لتغييبها للثقافة الجنسية، والتي تساعد بلا شك في فهم النشأة للكثير من المفاهيم الصحيحة، والتي تساهم في تعزيز «الذات» لديهم؛ لحماية أنفسهم من أي خطر محتمل، مطالباً بأن تكون هناك قوانين صارمة وفاعلة تجاه المتحرشين بشكل عام، مع زيادة التوعية الإعلامية الإجتماعية للعائلات، لمواجهة هذا النوع من الإعتداءات في حق النفس والجسد، رافضاً تعميم بعض الدراسات الأجنبية التي تشير إلى أن الكثير من الجناة في حوادث التحرش الجنسي يعانون من أمراض نفسية، لكونهم ضحايا سبق وتعرضوا لنفس هذا النوع من قضايا التحرش، مبيناً عدم توفر دراسات محلية تعزز هذه المقولة، حيث لا يمكن أن تُعمم نتائج الدراسات الأجنبية على المجتمع المحلي، لإفتقادها للعينات والمعايير الخاصة بمجتمعنا. أسعد النمر تحرش الأقارب وشددت «أمل الدوخي» -الأخصائية الإجتماعية بهيئة حقوق الإنسان في مكتب المنطقة الشرقية- على ضرورة الحذر من الأقارب الذين قد يقومون بالتحرش بالأبناء الصغار أو النساء، نظراً لسهولة قربهم ببعض، إضافةً لكون أغلب من يتعرضون لمثل هذه التحرشات يرفضون الإبلاغ بما تعرضوا له؛ لخشيتهم من الفضيحة أو عدم الحماية، وهو ما يدعونا إلى مساعدتهم وتوجيههم لقسم الإشراف الإجتماعي، مشيرةً إلى أن العديد من الضحايا يجهلون الخطوات المفترض إتباعها في مثل هذه الحالات، ذاكرةً أنهم كهيئة حقوق الإنسان يقومون بتوجيه الضحية للجهة التي تتمكن من تقديم المساعدة، سواء للحصول على الحق الخاص، أو للمعالجة من الآثار السلبية الناتجة من الإعتداء والتحرش. دائرة العيب وحذرت «أمل الدوخي» من الخضوع ل»دائرة العيب»، والتي ساهمت للإسف بزيادة حوادث التحرش والإعتداءات، خصوصاً من قبل الأقارب، حيث إن الكثير من الضحايا تتكتم خوفاً من الفضيحة، ما ساهم بشكل كبير في تكرار هذه التصرفات غير السوية، والتي تتسبب بكل تأكيد في التأثير السلبي على المتعرضين لهذا النوع من التحرش. يذكر أن دراسة حديثة أجراها الفرع النسائي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية، كشفت عن تعرض (55%) من مجموعة تتكون من (230) شخصاً للتحرش من قبل الأقارب، بينما تعرض (45%) للتحرش من آخرين. وأيدت «أمل الدوخي» وجود نظام لمكافحة التحرش الجنسي بما يساهم في الحد من مثل هذه التصرفات، والتي انتشرت في الآونة الأخيرة رغم أن الكثير من الضحايا تتكتم ولا تبلغ بما تعرضوا له، مطالبةً بضرورة اقتراب الآباء والأمهات من أبنائهم، حتى يتمكنوا من نصحهم ومساعدتهم منذ طفولتهم، ليبيحوا لهم بما يتعرضون له دون خوف او إحراج.