في مخلوقات الله شيء عجيب.. ومن أعجبها الإنسان وخلقه.. سواء ما أودع الله فيه من الأجهزة الجسمية كالجهاز الدوري والهضمي والتنفسي والعصبي وغيرها، أو الأجهزة النفسية كالعقلية والعاطفية وغيرها، ولذا ذكر الله ذلك من ضمن ما خلقه الله في الإنسان –وفيه دلالة على ربوبيته-: «وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا». ويتقلب الإنسان بهذه الطبيعة العجيبة في هذه الحياة، متعرضاً لتقلباتها وأحوالها، فمرة مع الناس ومرات لوحده، وأحياناً يقبل وأحايين يدبر.. ولا تدوم الحال على أمر واحد إطلاقاً؛ فطبيعة الحياة تجمع كل الألوان فالبعض يعيش بروح واحدة منهكة مرهقة، تعلوه الكآبة والحزن طوال أيامه، والبعض يعيش بروح الأمل وحياة الفأل، لا يستسلم أمام العقبات، ولا ينهزم أمام المشكلات، تؤثر فيه لكنه يؤثر فيها أكثر! تراه رغم الآلام والفشل أحياناً يستمر في طريقه.. تراه مع كل إقبال ليل يلملم نفسه.. ويجمعها من تشعبات الدنيا.. تلكم التشعبات التي إن جمعها وحملها ودخل بها بيته وأسكنها أسرته ونام معها تضاعفت آثارها نفسياً عليه، فتهده وهو بعد شاب في الثلاثين! تراه مع إغلاق باب بيته يغلق هموم ما كان خارجه؛ فيخلد إلى سُبحات أسرته، ومناغاة أطفاله، فإذا استيقظ فجراً فتح مع بزوغ النور باب الأمل الجميل والصبح الأثيل، وقد غسل هموم البارحة بماء الراحة، وعبير السكن الأسري والذكر الإلهي، فينطلق إلى عمله قد خفت نفسه، وشفت روحه، فأشرق الوجه وطاب الخاطر.. تراه يستحضر آية السكن وحديث الذكر الصباحي: «والله جعل لكم من بيوتكم سكناً»، سكنا للجسم والنفس والعقل والعاطفة.. سكنا من الهموم والغموم، فكما يستظل سقفه المادي فإنه يستظل سقفه النفسي الهادئ الجميل. فإذا رزق بهذا البيت أسرة تسكن معه وتظله بالحنان والطيبة والطمأنينة؛ اجتمع له السكنان: سكن البيت، وسكن الزوجة والأولاد، يقول تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة». تراه، يتنفس مع الصباح كل معاني الخير والجمال، فهو يتنفس مثله: «والصبح إذا تنفس»، يتنفس الهواء النقي، والنور الوضيء، يتنفس فتنتشر الحركة وتحدث البركة بإذن الله، يتنفس فتزقزق العصافير، وتطير الطيور، وينطلق الناس لمصالحهم، وتعمر الأرض، فهذا يسقي وذاك يحرث وآخر يزرع، يتنفس الصباح فيقرأ الناس، ويتعلم الخلق، ويلعب الأطفال.. عزيزي القارئ.. خذ من روح الكون روحاً وتنفس أنفاسه، وصادق مخلوقاته وحاكها وللوصول لهذه الروح الجديدة المتجددة؛ درّب نفسك كل مساء عند النوم، وكل فجر حين الاستيقاظ.. حاول تناسي همومك.. ولا تجلبها معك لبيتك أو فراشك، توضأ وصل ركعتين، واستحضر أنه لا يدوم حال أو شخص، تفكر في نعم الله عليك وحولك، ركز جيداً في صواب الناس، وعزز النظر لإيجابياتك، طور تفكيرك وفعّل قراءتك، حرك عقلك وجسمك، توقع الخير من الله ومن الناس وفي المستقبل.. وليس بالضرورة اختفاء آلامك وحل مشكلاتك تماماً، لكن بإذن الله ستحسن التعامل معها والتكيف مع ظروفها، ستحس مع كل هذا وبعده بتجدد روحك، بل كل يوم يمنحك الله روحاً جديدة وحياة طيبة وأياما سعيدة، فلا تحرم نفسك ذلك، عن أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ». متفق عليه. وإلى لقاء قادم..