أدق ما توصف به الهدنة التي أعلنت بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني لوقف إطلاق النار بينهما أنها هدنة هشة، وقد خرقتها اسرائيل بصلف وعنجهية كما هو معروف عنها من خلال قصفها يوم الجمعة المنفرط لمدينة غزة، حيث أسفرت الغارة الجوية قرب أحد المساجد في القطاع عن قتل فلسطيني وإصابة ستة آخرين، وقد ردت المقاومة على الغارة الاسرائيلية بإطلاق مجموعة من الصواريخ على خمس مستوطنات في محيط القطاع المحاصر، ويبدو واضحا للعيان أن اتفاق القاهرة الأخير بين المقاومة واسرائيل قد لا يترجم على أرض الواقع كحل قاطع لإنهاء الأزمة القائمة بين الطرفين، في ظل تمسك اسرائيل بمواقفها العدوانية المعلنة غير المبيتة إزاء الشروط الفلسطينية العادلة وعلى رأسها رفع الحصار المضروب على غزة منذ ثماني سنوات مضت. وقد عاد التوتر بين الطرفين الى سابق عهده، حيث أوقفت اسرائيل كافة رحلات الطيران ذهابا وايابا في مطار "بن جوريون"؛ تحسبا لتجدد إطلاق الصواريخ، وعاد الرعب بالتالي يخيم على أهالي غزة؛ تحسبا لغارات جوية جديدة قد تشنها اسرائيل على القطاع، وقد فقدت الثقة تماما بين الطرفين في امكانية استمرار الهدنة في محاولة لرسم الخطوات الأولى لسلام دائم بين الطرفين، كما جاء في بنود اتفاق القاهرة، ويتضح فقدان الثقة جليا من خلال طلب اسرائيل من سكان بلدات النقب الغربي البقاء بالقرب من الملاجئ والأماكن المحصنة، وظهور علامات الرعب من جديد في غزة تحسبا لغارات اسرائيلية جوية محتملة. والتوتر الأخير الذي حدث بين الطرفين قد يتطور الى مواجهات جديدة سوف تسفر عن سقوط المزيد من القتلى والجرحى من الجانبين، لاسيما أن الوفد الاسرائيلي الذي غادر القاهرة بعد انتهاء جولة المفاوضات أعلن عن عدم التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق نار دائم في غزة، وقد أعلن الاحتلال بعد انتهاء التهدئة المؤقتة "الهشة" رفضه الواضح لمطالب المقاومة، وعلى رأسها رفع الحصار الكامل عن القطاع وفتح المعابر واطلاق سراح السجناء الفلسطينيين والتعهد الضمني بعدم تكرار العدوان على غزة، وهو رفض يؤشر على أن الكيان الإسرائيلي المحتل يتحمل المسؤولية كاملة، ليس عن خرق الهدنة المعلنة فحسب، بل عن رفضه التوصل الى حل دائم وعادل للأزمة القائمة في غزة. وإزاء ما يحدث فإن إسرائيل لن تتمكن كما يخيل لرئيس وزرائها القفز على حقوق المقاومة عن طريق ألاعيبها ومناوراتها السياسية، كما اتضح خلال مفاوضات القاهرة بعد أن عجزت عن القفز عليها في ميدان المعركة، فهي مسؤولة تماما عن تصعيد الموقف وتأزيمه والعودة به الى سابق عهده من خلال ممارسة عمليات التباطؤ إزاء المطالب الفلسطينية الواضحة، ومن خلال ممارسة خرق التهدئة المعلنة، واذا كانت المقاومة الفلسطينية قد وافقت على مبدأ التفاوض مع الكيان الصهيوني؛ للتوصل الى سلام حقيقي في غزة فإن هذه الموافقة جاءت من منطلق قوة وليس ضعفاً، ويخشى المراقبون السياسيون أن تصل مفاوضات القاهرة إلى طريق مسدود في ضوء التعنت الإسرائيلي وعدم الاستجابة لمطالب المقاومة والتلويح بتصفيتها، ولعل من الغرابة بمكان أن يصرح أحد المسؤولين بالحكومة الإسرائيلية في أعقاب محادثات القاهرة الأخيرة أن "المقاومة لا تفهم سوى لغة القوة"، ناسيا أو متناسيا أن رئيس وزراء حكومته هو الذي لا يجيد إلا التحدث بمفردات تلك اللغة، من خلال رفضه لمعطيات السلام العادلة في غزة، ومن خلال ارتكابه لجرائم حرب في القطاع يستوجب على المجتمع الدولي المطالبة بمحاكمته على ارتكابها.