بسرية تامة بدأت، أمس في القاهرة، جولة مفاوضات غير مباشرة، برعاية مصرية، بين الوفد الفلسطيني الموحد، ووفد إسرائيلي مكون من ثلاثة مسئولين برئاسة رئيس جهاز المخابرات "الشاباك" الاسرائيلي يورم كوهين، بالتزامن مع سريان حذر لهدنة لمدة 72 ساعة، تنتهي عند الساعة الثامنة (5 بتوقيت غرينيتش) من صباح يوم غدٍ الجمعة. وعلمت "اليوم" من مصدر رفيع قريب من دائرة التفاوض، أنه رغم حالة التفاؤل في القاهرة وفي الأوساط الفلسطينية، إلا أن هناك بوادر خلافات "عميقة" يعتقد أنها تثير جدلاً عاصفاً، بين الجانبين، خاصة ما يتعلق بثلاث نقاط أساسية، منها إعادة إعمار مطار غزة، وإنهاء الحصار بما فيها الميناء البحري، وهما البندان اللذان كانا موجودين في اتفاقية التهدئة عام 2012، ولم تلتزم بهما إسرائيل، إضافة إلى البند الأهم، المتمثل في الطلب الأمريكي الإسرائيلي المشترك بجعل غزة منطقة منزوعة السلاح. ويطالب الفلسطينيون أيضاً بالإفراج عن أسرى اعتقلتهم إسرائيل في إطار حملة بالضفة الغربية المحتلة بعد خطف وقتل ثلاثة طلاب يهود. وفي مسعى لاستثمار أطول قدر من الوقت بدأت القاهرة نشاطها الدبلوماسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإطلاق مفاوضات جدية يمكن أن تفضي إلى تمديد لهدنة الثلاثة الراهنة والانخراط في محادثات سلام يمكن أن تخرج غزة من حصار إسرائيل دموي مستمر منذ ثمانية سنوات لواحدة من أكثر مدن العالم ازدحاماً في السكان. والتقى مسؤولون مصريون، أمس الأربعاء، في القاهرة وفداً إسرائيلياً نقلوا مطالبه الى المفاوضين الفلسطينيين في اطار المحادثات التي تهدف الى إحلال هدنة دائمة في غزة، بعد انتهاء التهدئة لمدة 72 ساعة المطبق منذ الثلاثاء. وبعدما سجلت اطول فترة هدوء منذ بدء الهجوم الاسرائيلي في 8 تموز/يوليو، اعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي انه يتوقع "تمديد التهدئة 72 ساعة اضافية واكثر". ولم تسجل اي مواجهات في قطاع غزة الاربعاء في اليوم الثاني من التهدئة التي تم التوصل اليها بفضل وساطتين مصرية وأمريكية. وانسحب الجيش الاسرائيلي بالكامل من القطاع الفلسطيني، الثلاثاء، بعد شهر من بدء الهجوم الذي أودى بحياة 1875 فلسطينيا بينهم 430 طفلا وفتى و243 امرأة، حسب وزارة الصحة الفلسطينية. وفي الجانب الاسرائيلي قتل 64 جنديا وثلاثة مدنيين. ويعتقد أن جثثا كثيرة لا تزال في غزة تحت أنقاض مئات المنازل التي دمرتها الصواريخ الإسرائيلية ولم يتمكن السكان من رفع الانقاض انتظاراً لوصول معدات. ونقلت وكالة فرانس برس عن مفاوضين فلسطينيين قولهم صباح أمس: ان "الوفد الاسرائيلي حضر امس (الثلاثاء) الى القاهرة والتقى المسؤولين المصريين (...) وعاد الى تل ابيب للاجتماع مع الحكومة الاسرائيلية ونقل ما دار في الاجتماع المصري الاسرائيلي". واضافوا ان "الوفد الاسرائيلي سيعود اليوم (الاربعاء) الى القاهرة لمواصلة التفاوض غير المباشر مع الوفد الفلسطيني برعاية واشراف مصري". وفي نطاق آلية المفاوضات غير المباشرة يلتقي الإسرائيليون المسئولين المصريين الذين ينقلون مطالب الفلسطينيين ويأخذون الرد الإسرائيلي بشأنها. ويضم الوفد الفلسطيني حركة المقاومة الاسلامية "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة وتشكل الحركة وبنيتها التحتية الهدف الرئيسي من عدوان إسرائيل على غزة. ولإعطاء المفاوضات بعداً دولياً وصل إلى القاهرة أمس الأربعاء، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق تونى بلير، مبعوث اللجنة الرباعية الدولية لعملية السلام في الشرق الأوسط، وروبرت سرى مبعوث الأممالمتحدة لعملية السلام بالشرق الأوسط قادمين على طائرة خاصة من تل أبيب في زيارة قصيرة لمصر. ومن المتوقع أن يشارك المسئولان الدوليان في المفاوضات التي تحظى بدعم عواصم عالمية مؤثرة مثل واشنطن ولندن وباريس. ويتوقع مشاركة أمريكية نشطة في المفاوضات. وقالت نائبة المتحدث باسم الخارجية الاميركية جين بساكي للصحافيين في واشنطن: "نحن نحدد مستوى هذه المشاركة وموعدها". وفي مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية دعا وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى وقف دائم لإطلاق النار لكنه شدد على ضرورة معالجة القضايا الاساسية الاشمل. واشار في هذا الصدد خصوصا الى كيفية "صنع السلام ووقف اطلاق الصواريخ ونزع الاسلحة والمضي نحو مستقبل مختلف". وردا على سؤال، عما اذا كانت واشنطن تؤيد المطلب الفلسطيني برفع الحصار عن قطاع غزة، أكد كيري ان على اسرائيل بدورها ان تقدم تنازلات. وقال كيري: "نحن نؤيده طبعا كجزء من حل شامل. على الطرفين ان يقوما ببادرة بشأن هذه المسائل"، مضيفا: "بالطبع يجب البدء بتحسين حياة الفلسطينيين". وشدد الوزير الاميركي ان الحل يقوم على "دولتين، مع حفظ امن اسرائيل، وضمانات لحياة أفضل ولحريات أكبر للفلسطينيين. هذه هي المعادلة". مطالبة بحظر بوقف توريد السلاح إلى إسرائيل وفي تعبير عن الغضب من الجرائم الإسرائيلية طالب نائب رئيس الوزراء البريطاني رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي نيك كلج بلاده بوقف توريد الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل. وأكد كيلج أن إسرائيل تجاوزت الحدود في نزاع غزة. وبهذا الطلب يزيد موقف الحزب الديمقراطي الليبرالي من الضغط على رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لإعادة النظر في موقفه من نزاع غزة. ويهدف الحزب إلى تجميد تراخيص توريد الأسلحة التي تستخدم في الحرب على غزة. وكانت وزيرة الدولة بالخارجية البريطانية سعيدة وارسي أعلنت أمس الأول، استقالتها من الحكومة قائلة "إنها لم تعد قادرة على دعم سياستها في غزة". دبابات إسرائيلية قرب حدود غزة وعلى صعيد الميدان، انتشرت قوات ودبابات اسرائيلية قرب حدود غزة، صباح أمس الأربعاء، غداة سحب اسرائيل قواتها البرية من القطاع الساحلي وبدء الهدنة. وقال جندي احتياط في الجيش الاسرائيلي، تتمركز دبابته قرب الحدود "كنا هناك منذ 30 يوما. ونعتزم ان نبقى هنا طالما استمرت الحاجة لوجودنا، وحتى تستقر الأوضاع. أنا متزوج ولديَّ أسرة لكن وجودي هنا أهم. لذلك سنؤدي واجبنا"، على حد قوله. حماس ترفض نزع السلاح وكانت حركة "حماس" شددت على رفضها "مجرد الاستماع" لطرح "نزع سلاح المقاومة" في قطاع غزة، الامر الذي تطالب به اسرائيل كشرط لتهدئة دائمة في القطاع. ونقلت وكالة فرانس بريس، يوم الثلاثاء، عن عزت الرشق القيادي البارز في الحركة لوكالة، قوله: "نحن كوفد لا نقبل ان نستمع الى اي طرح في هذا الخصوص (...) ومن يظن انه انتصر في المعركة حتى يطلب هذا الطلب فهو مخطئ، فالشعب الفلسطيني ومقاومته وصموده هم المنتصرون". وأضاف الرشق، ان "موافقة اسرائيل على التهدئة وما تلاها من انسحاب لجيش الاحتلال من غزة جاءت لانهم وصلوا الى طريق مسدود (...) رغم الالم والصمود والتضحيات والصبر نؤكد ان شعبنا ملتف حول المقاومة". واعتبر ان "كل ما انجزته اسرائيل هو جرائم حرب ضد المدنيين وعدونا لم ولن يحقق اهدافه من هذه المعركة".