طالب المختصون بإنشاء وزارة للطاقة في المملكة تتولى جديا إدارة الأزمة وتنظيم وتوجيه السياسات، وتشرف على ملف الطاقة البديلة بالإضافة إلى قطاعات البترول الغاز والكهرباء، وذلك بعد أن أصبح «هدر الطاقة» أمراً يهدد الاقتصاد السعودي مع تنامي نسبة الاستهلاك المحلي للطاقة. وأبان المختصون خلال حديثهم أن المطالب الأكثر أهمية تتركز على تعزيز الخطة الوطنية الحالية التي تعمل على الحد من هدر الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز الدور التنويري للإعلام في هذا الجانب، من خلال تجسيد خطورة هذا الهدر المستمر للطاقة والذي يكلف المملكة الكثير من إنتاج الطاقة. وقال المختصون: إن الفاتورة التي تدفعها الحكومة لدعم الاستهلاك المحلي من الوقود والكهرباء تبلغ 230 مليار ريال سنويا، دون احتساب تكلفة الدعم المقدم للغاز الطبيعي، أي هدر مالي قدره تريليون ريال كل 4 سنوات، إذ تستهلك السوق المحلية 24% من الإنتاج الفعلي اليومي للنفط بمعدل 3 ملايين برميل يوميا. وتنشر «اليوم» آراء المختصين عقب نشر ملف الشهر عن «سوء استخدام الطاقة.. الجميع يخسر»، والذي تناول وضع الطاقة في المملكة والعوامل التي أدت إلى ارتفاع الاستهلاك مع تسليط الضوء على البرامج التي وضعتها الحكومة لوقف الهدر بالطاقة. هدر الطاقة. وأبرزت الاقتصادية انتصار المالح أن ملف جريدة «اليوم» سلط الضوء على الكثير من المشاكل والحلول والنظريات بشأن قضية هدر الطاقة بالمملكة، والذي وصل لمعدلات كبرى تصل لارتفاع سنوي يقارب 5 في المائة عن الأعوام الماضية. وأكدت المالح بقولها: إن قضية الطاقة وترشيدها من القضايا الحيوية التي تهم كثيرا من دول العالم، والتي وضعت لها الكثير من الاعتبارات والأنظمة وسنت لها القوانين التي تحفز تطبيق ترشيد الطاقة، ومع هذا نجد أن الأنظمة والقوانين التي تحفز ترشيد الطاقة في بدايتها. وقالت المالح: إن ملف «اليوم» كان مبادرة نوعية ومهمة للكثير من المختصين بهذا الشأن؛ حتى ينظروا إلى أماكن الخطر في الهدر المتواصل للطاقة بالمملكة، وأين توجد الحلول، وما هي الخطط الحكومية تجاه هذا الخطر؟. ولفتت المالح إلى أن آخر الدراسات الحديثة التي تؤخذ بالحسبان عن عدم وجود وعي حقيقة لهذا الخطر، تشير إلى أن ما يقارب نصف السعوديين لا يعرفون وقت ذروة استهلاك الكهرباء، حيث تعد هذه نسبة عالية تحتاج إلى تضمينها في برامج التوعية، كما يرى ما يقارب ال51% أن استهلاكهم للكهرباء في منازلهم يعد مرتفعا، ويؤمن 64% من أفراد العينة بأهمية استخدام العزل الحراري عند البناء. وأضافت: إنه حول أحد أهم المؤشرات المعرفية في هذه الدراسة وهو بطاقات كفاءة الطاقة التي يمكن عن طريقها معرفة مدى استهلاك الجهاز أو الآلة للكهرباء، اتضح أن 72% من الجمهور لا يعرفون ماهية البطاقة وأهميتها ولا دورها في تحديد حالة الجهاز وكفاءته في استهلاك الطاقة، مقابل 28% يعرفون ماهيتها ودورها في تعريف المستهلك بكفاءة الجهاز. وفيما يتعلق باستخدام وسائل وطرق الترشيد، بينت الدراسة أن ما يقارب 57 في المائة يحرصون بشكل عملي على ترشيد الطاقة، مقابل 20 في المائة لا يفعلون ذلك. خطر الاستهلاك وفي شأن متصل، أوضح الاقتصادي خالد اليامي أن لا شيء يهدد الاقتصاد السعودي حاليا أكثر من خطر تنامي نسبة الاستهلاك المحلي للطاقة، فالاقتصاد الذي يعتمد في 90 في المائة من موارده على النفط طوال العقود السبعة الماضية، بات الآن يواجه خطر القدرة على مواجهة الطلب المحلي، وفي نفس الوقت الإبقاء على موثوقية الإمدادات الخارجية للسوق العالمي. وأفاد اليامي أن المملكة خطت خطوات محسوبة وجريئة في هذا الصدد بإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمشروعات العملاقة المزمع تنفيذها في هذا الصدد، فضلا عن تأسيس مركز قياس كفاءة الطاقة، إلا أن البطء ما زال يشوب العملية الإصلاحية الرامية إلى السيطرة على هذا الخطر. ولفت الاقتصادي اليامي إلى أن الأمر الغريب وحتى وقت قريب كان الغموض الذي يحيط بالمعلومات المتعلقة باستهلاك الطاقة محليا، حيث كان يتم نشرها على استحياء، أما هذه الأيام فبات الباحث عن المعلومة يكاد يصاب بالتخمة جراء الكم المعلوماتي الهائل الذي تعلنه الحكومة ومؤسساتها بين وقت وآخر؛ للتحذير من تداعيات استمرار الركون إلى هذا الهدر الهائل للطاقة محليا، ولعل أبرز معلومة في هذا الملف وأخطرها تشير إلى أن الفاتورة التي تدفعها الحكومة لدعم الاستهلاك المحلي من الوقود والكهرباء تبلغ 230 مليار ريال سنويا، دون احتساب تكلفة الدعم المقدم للغاز الطبيعي، أي هدر مالي قدره تريليون ريال كل 4 سنوات، إذ تستهلك السوق المحلية 24 في المائة من الإنتاج الفعلي اليومي للنفط بمعدل 3 ملايين برميل يوميا. وأشار اليامي إلى أن المملكة بحاجة لإجراءات أكثر جرأة وسرعة لمعالجة هذا التهديد، إذ لا يمكن الركون فقط إلى جهود المركز السعودي لكفاءة الطاقة، والذي ينخرط في عضويته عديد من الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة باقتصادات الطاقة، كما أن الحاجة لتوحيد الجهود ووضع استراتيجيات جادة تتطلب التفكير في إنشاء وزارة للطاقة تتولى جديا إدارة الأزمة وتنظيم وتوجيه السياسات، وتشرف على ملف الطاقة البديلة بالإضافة إلى قطاعات البترول الغاز والكهرباء، وبلادنا والحمد لله تزخر بالكفاءات القادرة بإذن الله على قيادة هذا الملف بكل جدارة وتمكين. ترشيد الاستهلاك فيما اتفق الكاتب الاقتصادي عبداللطيف بن عبدالرحمن الملحم مع اليامي بشأن ترشيد الاستهلاك للكهرباء هو ثقافة نحن أولى بها، فديننا الحنيف يحث على عدم التبذير والإسراف، والكل يعلم أن الطاقة لدينا تستهلك الكثير من مواردنا الطبيعية، ولا بد من المحافظة عليها، فالضغوط على شركة الكهرباء لإيصال الطاقة لكل منزل ومصنع ومنشأة في دولة بمساحة المملكة يحتاج إلى وعي كبير من المستهلك؛ لأنه المستفيد الأخير من خدمات هذه الشركة. ولفت الملحم، المملكة أصبحت الآن من أكثر الدول استهلاكا للطاقة الكهربائية وأكثرها في القدرة الإنتاجية، ومع ذلك فلا تزال المملكة تعتبر من ارخص الدول في إمدادات الكهرباء للمواطن، ونحن في شهر رمضان المبارك والذي يصادف أكثر الشهور حرارة في السنة فهناك استهلاك غير طبيعي وبمعدل لا يوجد له مثيل في العالم، ففي ليالي رمضان توجد حركة دائمة وفي النهار تقل هذه الحركة، ولكن يستمر استهلاك الكهرباء دون توقف ودون وجود أسلوب يتبعه المواطن في الترشيد في استهلاك الكهرباء. فيما أوضح الاقتصادي طلعت حافظ أن تدني مستوى الكفاءة في استهلاك الطاقة، تسبب في استخدام الطاقة في السعودية بمختلف أنواعها الأولية، التي من بينها النفط والغاز والطاقة التقليدية، مثل الكهرباء والماء، بشكل جائر لا يقبله العقل ولا المنطق، دونما أي تفكير في العواقب الوخيمة، التي من الممكن أن تحدث في المستقبل القريب أو حتى المتوسط والبعيد من نضوب لا سمح الله في تلك الموارد الاقتصادية المهمة والحيوية لحياة الناس ورفاهيتهم، ولا سيما أن معظم المصادر -التي تعتمد عليها السعودية في توليد الطاقة- تُعد مصادر غير متجددة وقابلة للنضوب، في حال استمرار استخدامها بشكل غير مرشد وغير كفء وبمعدلات مرتفعة مقارنة بالمعدلات العالمية، كما هو واقع الحال في استخدام الكهرباء في المملكة، التي ينمو معدل استهلاكها السنوي بما يعادل ضعف نمو الاقتصاد الوطني، إذ يقدر معدل نمو استهلاك الكهرباء في المملكة بنسبة 8 في المائة سنوياً، في حين ينمو الاقتصاد الوطني بمعدل 4 في المائة. وقال طلعت حافظ: نتيجة لهذا الاستهلاك المفرط لمصادر الطاقة في المملكة، وبهدف ترشيد الطاقة واستخدامها بمعدلات أكثر كفاءة مقارنة بواقع الحال، جاءت فكرة إنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة، الذي يهدف إلى ترشيد الطاقة والرفع من كفاءة استهلاكها، بغية المحافظة على الثروة الوطنية من مصادر الطاقة، وبما يعزز التنمية الاقتصادية، ويحقق في الوقت نفسه أدنى مستويات الاستهلاك لوحدات الطاقة نسبة إلى الناتج المحلي للمملكة، أو ما يعرف بكثافة استخدام الطاقة، التي تعد مقياسا لكفاءة استخدام الطاقة في الاقتصاد، وتحسب على أساس الوحدات من الطاقة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال حافظ: إن هناك حملة أطلقت من قبل الحكومة وبدأت الحملة بالتركيز على قطاع المباني، وتحديداً أجهزة التكييف، باعتبار أن قطاع المباني يعد واحدا من ثلاثة قطاعات تستهلك ما مجموعه 90 في المائة من الطاقة في المملكة، وأجهزة التكييف تستهلك أكثر من 70 في المائة من الكهرباء في قطاع المباني، بسبب رداءة أجهزة التكييف في السوق المحلية. وأكد حافظ على أهمية الحملة لتوعية المستهلك، باعتبارها ستسهم بفاعلية في تحقيق أهداف المركز السعودي لكفاءة الطاقة، وستسهم كذلك في أن تصبح مستويات كفاءة الطاقة في القطاعات المستهدفة ضمن المعدل العالمي بحلول عام 2030، بما يحقق خفض استهلاك تلك القطاعات بنسبة 20 في المائة، أو ما يعادل توفير نحو 1.5 مليون برميل نفط مكافئ يومياً من استهلاك الطاقة المتوقع للعام نفسه. وقد صاحب انطلاقة الحملة، وضع ملصق تعريفي على أجهزة التكييف التي تباع بالأسواق المحلية حسب المواصفات والمقاييس السعودية، بغرض الرفع من توعية المستهلك المرتبط باقتناء جهاز التكييف المرشد للكهرباء حسب عدد النجوم الظاهرة على الجهاز، وقد سبق انطلاقة الحملة التأكد من أن الأسواق المحلية تتوافر فيها أجهزة التكييف المطابقة للمواصفات السعودية وتعكس قيمة تلك النجوم. خلاصة القول، إن إنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة جاء في الوقت المناسب، ليسهم بفاعلية في ترشيد استخدامات الطاقة بأنواعها في المملكة، بالشكل الذي يحافظ عليها من الهدر والتبديد، ولا سيما أن معدل استخدامات الطاقة في المملكة يفوق المعدلات العالمية، ما قد يضاعف من احتمال نضوبها قبل انتهاء عمرها الافتراضي، وبغية تحقيق أهداف إنشاء المركز، فقد تبنى المركز تنفيذ حملة وطنية على مستوى المملكة، لتوعية أفراد المجتمع بالاستهلاك المرشد للطاقة، وبالتحديد لأجهزة التكييف في المباني، التي تستهلك أكثر من 70 في المائة من الكهرباء. إن تحقيق المركز أهدافه والحملة أهدافها، سيسهم بفاعلية في ترشيد استخدامات الطاقة في الحاضر، وادخار الطاقة للمستقبل وللأجيال القادمة. إعادة هيكلة وفي شأن متصل، قال الخبير الاقتصادي جون اسفيكياناكيس: إن تحدي الاستهلاك المحلي المتزايد للطاقة ينبغي أن يكون جزءاً من خطة شاملة لمستقبل البلاد بعد عشرين عاماً، وكالمعتاد، العمل والتخطيط الاقتصادي الذي يعتمد على الطاقة بشكل مكثف لا يخلقان فرص العمل الكافية للمواطنين، وما لم تتم إعادة هيكلة طريقة تسعير واستهلاك الطاقة في المملكة، فإن النتيجة النهائية ستكون كارثية حينما يبقى القليل من الطاقة للتصدير، ولا ننسى أنه بالرغم من كل الحديث عن تنويع الاقتصاد منذ اكثر من اربعة عقود من الزمن، إلا أن النفط ما زال يمثّل90% من إجمالي إيرادات الدولة، لكن تراجع صادرات النفط بسبب ازدياد الاستهلاك المحلي للطاقة سيؤدي، في النهاية (لا قدر الله)، إلى انخفاض الإيرادات المتوفرة لإدارة البلاد!!. وأفاد جون اسفيكياناكيس، هناك نقطة أخرى تتعلّق بالنقطة الواردة أعلاه ولكنها متوارية خلف أسعار النفط المرتفعة والنمو الاقتصادي المرتفع خلال العقد الماضي، وتتمثل هذه النقطة بغياب الزيادات الكبيرة في معدّل الدخل الحقيقي للفرد وعدم حدوث تغييرات كبيرة في الإنتاجية، فقد ازداد إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بنحو 31% بين عاميّ 2001 و2009، مدفوعاً بشكل رئيسي بأسعار النفط العالمية المرتفعة منذ مطلع عام 2000، لكن معدل دخل الفرد ازداد بأقل من 1% خلال الفترة الآنفة الذكر، وذلك بسبب طبيعة مجمل السياسات الاقتصادية والتنموية. كذلك ظلت الإنتاجية منخفضة، فبين عاميّ 1990 و2012، بلغ معدّل النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي 5,1%، لكن العمالة (لا سيما الوافدة) ورأس المال كانا أكبر مساهميْن في النمو، بينما كانت مساهمة الإنتاجية الأدنى على صعيد هذه العناصر الثلاثة، ولكي يكون الاقتصاد متوازناً، يتعيّن على الإنتاجية أن تكون أحد أكبر المساهمين في النمو، ولكي تزداد الإنتاجية، لا بد من زيادة الاستثمارات في الابتكارات والمهارات وتحسين التقنيات وتشجيع الأعمال الحرّة وتعزيز القدرة التنافسية. ويحتاج القائمون على التخطيط الاقتصادي السعودي إلى التفكير في الوسائل التي تمكنهم من تنويع الاقتصاد عبر خلق المزيد من الوظائف للسعوديين، مع الالتزام بخفض استهلاك الطاقة، إذ ليس من المجدي تماماً أنْ تخلق وظائف جديدة مع الإبقاء على استهلاك الطاقة المتزايد وتراجع في التنويع الاقتصادي، لذا، فإن هذا التحدي ليس سهلاً ويتطلّب الكثير من الصبر، بالإضافة إلى الإرادة السياسية الحاسمة. ينبغي على أيّ تخطيط مستقبلي أن يشتمل على الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل أساسي. وفي ظل غياب أي قرار حقيقي بشأن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتجددة على نطاق البلاد ككل، فإن التحدي سوف يظل قائما مع استمرار نمو الاستهلاك المحلي للطاقة بمعدلات مرعبة. إنّ المملكة اليوم أمام منعطف ضيق وخطير ولا بد من اتخاذ قرارات صعبة، كما أن الوقت عامل حاسم ولن يكون في صالح المملكة دائما. معدل نمو الاستهلاك للكهرباء 8 % سنويا الدراسات تشير بعدم الوعي الحقيقي المملكة بحاجة لإجراءات أكثر جرأة وسرعة لمعالجة هذا التهديد دعم الاستهلاك المحلي للوقود