في إطار مشروع برنامج وطني شامل لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في المملكة، الذي يتركز في الوقت الحاضر على ثلاث قطاعات هامة، يمثل استهلاكها نحو 90 % من إجمالي استهلاك الطاقة محلياً، وهي قطاع المباني، وقطاع النقل، وقطاع الصناعة، تم في الأسبوع الماضي عقد المنتدى والمعرض السعودي لكفاءة الكهرباء في دورته الثانية بمدينة الرياض، الذي من بين أهدافه استعراض التشريعات والخطط والتجارب المحلية والإقليمية والعالمية حول الطاقة الكهربائية وتقنيات توليدها، والبدائل المتاحة والمتجددة الهادفة لتقليل الاعتماد على النفط، وكذلك رفع الوعي الاستهلاكي الهادف لترشيد استخدام الكهرباء في كافة القطاعات. إن الاستهلاك الحالي للطاقة في المملكة يوصف بأنه مجال هدر كبير، حيث أن انتاج الطاقة الكهربائية لوحده يأخذ حصة تصل إلى نحو 40 % من الإستهلاك المحلي للنفط، الذي يستقطع حالياً 25 % مما تنتجه المملكة من هذا المورد الإستراتيجي، بخلاف تزايد النمو في هذه النسبة بصورة مطرده عاماً تلو الآخر، بل إن قطاع المباني يستهلك لوحده 80 % من إنتاج المملكة للكهرباء بسبب انخفاض معامل كفاءة أجهزة التكييف المسموح به في المملكة، الذي يمكن أن يوفر إلى نحو 30 % من استهلاك الكهرباء، إضافة إلى أن معظم المباني وبالذات السكنية منها ليست معزولة حرارياً، ولو كانت كذلك لأمكن توفير نسبة إضافية أخرى تبلغ نحو 40 % من ذلك الاستهلاك يدعم ذلك ما أكده وزير البترول في حفل افتتاح المنتدى من أن مستوى كفاءة استخدام الطاقة لدينا في المملكة يعد من أدنى المستويات العالمية، مشيراً إلى أن من التحديات التي تواجه المملكة في مجال الطاقة هي في الاستخدام الأمثل للموارد والمحافظة على الاستمرار في النمو الاقتصادي والسكاني ورفاه المواطنين وتلبية احتياجاتهم ، مفيدا أنه يمكن من خلال سياسات الترشيد ومصادر الطاقة المتجددة والعمل الجاد عكس معدلات النمو في الاستهلاك دون الإضرار بتلك الجوانب، ويتفق معه في ذات التوجه وزير المياه والكهرباء الذي أشار في نفس السياق إلى أن ترشيد الاستهلاك هو من أفضل السبل وأقلها تكلفة للتغلب على تحدي توفير الطاقة، مضيفاً أن الحاجة المتزايدة للطاقة يتطلب البحث عنها في المصادر الأخرى المتاحة وبالذات في الطاقة النووية والطاقة الشمسية. لقد كشفت دراسة لهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج سبق نشرها، أن القطاع السكني يستهلك أكثر من نصف الطاقة الكهربائية في المملكة، وتقتطع أجهزة التكييف نحو 70 % من هذا الاستهلاك ، كما أشارت ذات الدراسة أيضاً إلى أن متوسط فاتورة الاستهلاك الشهري لحوالي 94 % من المستهلكين في القطاع السكني، البالغ عددهم في المملكة 4.6 ملايين مشترك لا يزيد على 500 ريال، مما يعني بلغة الأرقام أن الأسرة التي تقيم في غالبية وحداتنا السكنية تدفع ما متوسطه ستة آلاف ريال سنوياً من دخلها مقابل فاتورة الطاقة الكهربائية، وكان بالإمكان خفض قيمة تلك الفاتورة عليها إلى نحو ثلاثة آلاف ريال أو أقل لو تحقق توفر العزل الحراري واستخدام أجهزة كهربائية وبالذات أجهزة تكييف ذات معامل كفاءة أعلى في تلك الوحدة السكنية، وهو ما يفضي في نهاية المطاف إلى توفير ما مقداره تسعون ألف ريال أو أكثر من فاتورة الكهرباء على مدى ثلاثون عاماً هو متوسط العمر الافتراضي التشغيلي للوحدة السكنية لدينا في المملكة، بل أننا إذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك فإنه كان يمكن من خلال ترشيد هذا الاستهلاك خفض الحمل الذروي في المملكة بنسبة جوهرية، بدل أن يتجاوز 50 ألف ميجاوات في الوقت الحاضر، ولأمكن للحمل الذروي الحالي أن يلبي الطلب ضمن إطار العشر سنوات القادمة بدل أن يقفز إلى 90 ألف ميجاوات، كما تشير التوقعات وفقاً لمعدلات الإستهلاك الحالية. إن من أبرز توصيات هذا المنتدى هو الاستمرار في تنظيم فعالياته التنموية سنوياً، مما قد يجعله تبعاً لذلك أحد أهم منصات التقويم لبرامج ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة لدينا في المملكة بوجه عام، والطاقة الكهربائية على وجه الخصوص.