في النهاية، تتوقف الانتخابات الرئاسية الإندونيسية على سؤال واحد غير مفيد: هل كان جوكو ويدودو «قويا» بما فيه الكفاية لقيادة رابع أكبر دولة في العالم؟ أثيرت الشكوك بما يكفي عن ويدودو، محافظ جاكرتا ذي الشعبية والمتواضع، على نحو يجعل تصويت الأسبوع الأخير مشوقاً. ولكن مع فوزه المتوقع أن يتم تأكيده رسمياً خلال أيام، على الإندونيسيين ينبغي أن يحكموا على رئيسهم المقبل ليس عن طريق قدر غامض من الحزم، ولكن على قدرته العملية في بناء مؤسسات قوية. روج الديكتاتور سوهارتو السابق فكرة أنه فقط بيد من حديد يمكن أن تُحكَم أندونيسيا، المتنوعة الأعراق، والمتكاثرة بالانشطار، التي تتألف من 17 ألف جزيرة ويعيش فيها ما يقرب من 250 مليون مواطن. مع ذلك، منذ أن أطيح بسوهارتو في عام 1998، فإن الجيش الاندونيسي الذي كان في الماضي مهيمناً إلى حد كبير على مقاليد الأمور، ابتعد إلى حد كبير عن السياسة والأعمال. وقد انتقلت السلطة من جاكرتا إلى المحافظات والمناطق. ويمكن القول: إن البلاد تواجه ضغوطاً انفصالية أقل من قبل وليس أكثر. وبفضل طفرة السلع العالمية وسياسات المال السهل من البنك الاحتياطي الفدرالي في الولاياتالمتحدة، نما الاقتصاد الإندونيسي بمعدلات طيبة وقوية بين عامي 2003 و 2011. صحيح، أن غياب الحزم والتردد كانت الشائبة التي شابت السنوات القليلة الأخيرة في عهد الرئيس سوسيلو بامبانج يودويونو. فقد تباطأ النمو إلى حوالي 5%، وهي نسبة لا تكاد تكفي لإخراج البلاد من فخ الدخل المتوسط. النظام السياسي في إندونيسيا، والتي يتعين فيها على الرئيس المنتخب بالانتخاب المباشر أن يساوم مع البرلمان المنقسم والمتشاحن، يمكن أن تصاب جهوده بالشلل بسهولة ويصبح عرضة للتكسب من الأعمال والسلطة. الطرق والموانئ هي بالية. ونحو نصف العائدات توزع على المحافظات وتنفق على المرتبات بدلاً من المدارس؛ في كثير من الأماكن، معظم ما تبقى يتم نهبه لأصحاب المصالح. ليس هناك نقص في الأفكار لتحسين الاقتصاد والبنية التحتية في إندونيسيا والنظام التعليمي. وإنما يتمثل التحدي في التنفيذ. في الوقت الحالي، على سبيل المثال، الوزارات لديها فسحة واسعة لتفسير القوانين وتنفيذها. وهذا يشجع على عقد صفقات خلف الكواليس والمحسوبية، ناهيك عن الارتباك في الوقت الذي يسعى فيه وزراء مختلفون لتنفيذ أجندات مختلفة. تعيق البيروقراطية الراسخة تغيير مقاومة المزيد من الإصلاحات. والحكومة المركزية لديها فقط سيطرة قليلة على المسؤولين المحليين، الذين يتحملون مسؤولية الجزء الأكبر من الإنفاق على الخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية. إن زعيماً قوياً يمكن أن يُحدِث بعض التغيير. والحقيقة أن إنشاء هيئة لصنع السياسة المركزية، بقيادة الرئيس، لفحص المبادرات والأنظمة الجديدة، سوف يفرض بعض النظام والشفافية في عملية الإصلاح. الأهم من ذلك، فإنه يقلل من نطاق السلطة التقديرية للفرد - وبالتالي الإغراء لتقاضي الرشاوى. لكن كما أظهر ويدودو في إدارة جاكرتا، لا يمكن التغلب على المقاومة المؤسسية للإصلاح إلا من خلال تغييرات واسعة ومنهجية. وتحتاج التعيينات والترقيات داخل البيروقراطية إلى بذل المزيد من الجدارة والمساءلة. في المجالات التي تستطيع فيها التكنولوجيا أن تعمل على تخفيض أو القضاء على دور الموظفين الفردي - في تحصيل الضرائب أو إصدار الرخص التجارية، على سبيل المثال - فهذه ينبغي نشرها على وجه السرعة. في إندونيسيا اليوم، كما هو الحال في أي ديمقراطية معقدة أخرى، فإن القادة الأكثر فعالية هم مندوبو المبيعات، وليس الرجال الأقوياء. يسمح الدعم الشعبي الواسع لويدودو بالمضي قدماً في الإصلاحات المؤسسية الصعبة حين كان يعمل في منصب محافظ جاكارتا. كرئيس، لا بد له من إقناع الإندونيسيين العاديين بالتضحيات الآن - والأكثر أهمية، تقليل والقضاء على 21 مليار دولار من دعم الوقود – وهذا سيؤتي ثماره في وقت لاحق. فقط مع دعم مواطني إندونيسيا فهو سيكون قادراً على البدء في سحب البساط من تحت الحواجز التي تفرض اعاقة للتغيير.