واحتج من حرم الأخذ من اللحية بأن الأمر للوجوب ولا صارف له عنه، والحق أن الأمر بإعفاء اللحية مصروف عن الوجوب للندب لثبوت أخذ بعض الصحابة ما زاد عن القبضة منها ولكون الأمر بالإعفاء كالأمر بحف الشارب والصلاة في النعال وتغيير الشيب كلها أوامر جاءت معللة بمخالفة غير المسلمين، ولم يعمل بهذه الأوامر بعض الصحابة ولم ينكر ترك العمل بها عليهم، فدل ذلك على أن الأمر للندب وليس للوجوب. أما من قال إن التحريم معلل بكونه تشبها بالنساء، وفيه مُثلة، وفيه تغيير لخلق الله، وفيه نمص وعد ذلك من الكبائر. فرد عليه بأن علة الأمر بالإعفاء جاء منصوصا عليها في الحديث بمخالفة المشركين، وهذه العلل لم تذكر في النص ولا اجتهاد مع النص، فضلا عن أنه لا يصح تعليل حكم بعلتين مستنبطتين، فجمهور الأصوليين يشترط في العلة المستنبطة الانعكاس وهذا يسقط مع تعدد العلل، فضلا عن أن تعليل الأحكام استنباطا محل اختلاف. ومع كل هذا فإن القول إن الحلق فيه تشبه بالنساء غير مسلم لوجود فوارق أخرى بين الجنسين، ومنها فوارق ظاهرة في الوجه كعدم حلق الشارب. أما كونه تغييرا لخلق الله، فمعترض بأن الصبغ والحناء وحلق شعر الرأس وقصه ونتف شعر الإبط وقص الأظافر كل ذلك فيه تغيير إلا أنه مشروع فليس كل تغيير مذموما. أما القول إن حلقها نمص فيه لعن يجعل ذلك من الكبائر قياسا على النمص، فمعترض بأن حديث لعن النامصة في رفعه اختلاف والراجح أنه موقوف، وبأنه لو سلم بصحة رفعه لم يصح القياس لما فيه من خروج عما تقرر في الأصول من أن القياس في الأحكام لا العقوبات المعنوية كاللعن فذلك لله وحده لا يجوز تعميمه بقياس، فضلا عن الاختلاف في معنى النمص، وهل هو النتف أم يدخل الحلق فيه؟ والراجح أنه النتف. أما كونه مثلة محرمة كما نقل ابن حزم الإجماع على تحريم قصها لأن ذلك مثلة فكيف بحلقها، فلا يسلم بأن حلق اللحية مثلة لأن رسول الله علل الأمر بها مخالفة للمشركين وليس لكونه مثلة، فلا يجوز تعليل الأمر بغير ما ورد به النص وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. كما أن دعوى الإجماع بتحريم القص مردودة بأن القص على ما زاد عن القبضة منقول نقلا صحيحا عن الصحابة، فدعوى الإجماع منقوضة بذلك النقل الصحيح، ولم ينقل ذلك الإجماع أحدٌ قبله، فضلا عن أنه لا يستقيم تعليل المنع بكونه مثلة في هذا الوقت، بل عدم الحلق هو الأشبه بالمثلة عند عامة الناس الآن ولو عمل بأن العلة في المنع المثلة، لما ساغ القول بتحريم الحلق اليوم مطلقا. ويضعف دعوى الإجماع أن المعتمد في المذهب الشافعي هو الكراهة لا التحريم. وليس للشافعي نص في المسألة ولا لأحد من أصحابه. وقد نقل النووي في شرح مسلم عن العلماء، كراهة حلق اللحية، ونص صراحة على الكراهية في كتابه «التحقيق» الذي كتبه بعد المجموع والروضة، كما في مقدمته، وكذلك فهم المتأخرون من الشافعية كلامه على الكراهة. وقال الرملي الشافعي في فتاواه: حلق لحية الرجل ونتفها مكروه لا حرام. ونقل عن القاضي المالكي عياض في «إكمال المعلم بفوائد مسلم» عن أحكام اللحية: يكره حلقها وقصُّها وتحذيفها. وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن. وتكره الشهرة في تعظيمها وتحليتها، كما تكره في قصها وجزها. وفي المغني أن مهنأ سأل أحمد عن حف الوجه، فقال: ليس به بأس للنساء، وأكرهه للرجال. وقال ابن عبدالقوي في «منظومة الآداب»: وإعفاء اللحى ندب. وهذا كله في دار الإسلام، أما في غيرها فليس الإعفاء عن اللحية مستحباً. قال ابن تيمية في الاقتضاء: (بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين).