اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، واطلبوا العلم ولو في الصين،كلها أقاويل تدعو لطلب العلم والسعي للتعلم، ولربما أنا من المتحيزين لجعل المستوى العلمي مقياسا يساهم بقدر كبير في تقييم الأشخاص، وقد يعترض البعض و يرى أنها نظرة قاصرة ومجحفة في الحكم على البشر، فهم يرون أن الشهادة كما يحلو لهم تسميتها ليس لها ان تكون دلالة على أننا جيدون أم سيئون أو حتى مثلاً قادرون على تحمل المسؤولية بكفاءة، ودليلهم على ذلك آباؤنا وأمهاتنا ببساطتهم وأميتهم، فهم يعتقدون أنهم كانوا خير دليل وأفضل من يمثل القدرة على النظر إلى مواقف الحياة بحكمة واتزان، ولربما أقول لهم لو لم يكن للعلم- ولنقل الشهادة- تلك القيمة لما وجدنا الأغلبية العظمى من الآباء سابقاً ولا يزالون حريصين أشد الحرص على أن ينال أبناؤهم أعلى قسط من العلم والمعرفة من خلال إلحاقهم بالمؤسسات التعليمية، وقد يدفعون أموالا طائلة في سبيل ذلك، وقد كانوا سابقاً يقولون للمعلمين "لكم اللحم ولنا العظم" فالهدف الأسمى في أعينهم أن يتعلم أولئك الأبناء، فيصبح الأمر كالتعويض للآباء لما غاب عنهم من فرصة في أن ينالوا نصيباً وافراً من العلم، ولربما تتفقون معي أن أغلب الأسر ممن عرف عنها طلبها للعلم وحرصها عليه، يتوارثهُ أبناؤها جيلاً بعد جيل،بعكس البعض ممن توقف في منتصف السلم التعليمي وامتنع عن صعود ذلك السلم لآخره، وكأنه يتحين الفرص ليعود للخلف أو يقيم هناك للأبد فيعتبر ذلك نهاية الطريق، بالرغم من أنه في أعلى السلم توجد أبواب كثيرة تقبع خلفها عوالم ليس لنا تخيلها ونحن مازلنا في منتصف ذلك السلم، ولنقل إن أقربها وأجملها معرفة الله سبحانه وكما قيل في الذكر الحكيم "إنما يخشى الله من عباده العلماء "فكلما زاد علمنا بالأشياء وخفاياها زاد قربنا من الله سبحانه وتعالى وزادت خشيتنا منه كالطبيب الذي علم أنواع الجراثيم، نجده أشد حرصاً في عدم تناول الطعام الملوث، فبالعلم تزول الغشاوة عن أعيننا ونجد إجابة لأسئلة لم يكن لنا أن نجد لها إجابة يوماً، العلم نور لكل ظلمات الجهل وهو الطريق الذي به تتقدم الأمم وتصل لعتبات الحضارة لتصنع لنفسها تاريخاً ينقش على صدر الزمن، ولنا في تاريخ الأمم أكبر دليل، فتناقل الحضارات لم يأت من العدم، فلو لم تستفد تلك الأمم من كل العلوم التي تقع بين يديها لم وجدنا آثارها حتى الآن، صناعة وتاريخ، وفكر وفن والكثير، ما جعل الأمم الأخرى تسعى لاقتباس ذلك العلم لتدمجه مع ما لديها لتكتشف علماً جديدا،ً فالعلم متجدد ومتغير وكلما أضفت إليه فاعلم أنه لن يتوقف عندك ولن ينتهي بك، بل هو مستمر باستمرار الحياة ولذلك كان علينا جميعاً أن نقبل على طلب العلم بنهم، شريطة أن ننتقي منه العلم النافع ونترك كل ضار أو مخالف لديننا وقيمنا، بل أن نُحذر منه إن استطعنا ذلك، فالعلم كالغذاء قد يغريك أحيانا منه ما يبدو شكله مشهياً غير أنه قد يكون ساماً، وكم أعجبتني تلك المبادرات الجميلة واللفتة الذكية لبعض الجهات ممن تشجع طرق ابواب المعرفة وقد نقل لي من حولي بعض الصور لمعرض «اثراء المعرفة» الذي أقامته شركة ارامكو السعودية من فترة قريبة وكم نحن بحاجة فعلاً لمعارض قيمة مشابهة لتلك التجربة.ولنتذكر أن" من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً للجنة".