حاز الدين الإسلامي قصب السبق في العمل على توطيد العلاقات الإيجابية بين الشعوب والأمم في الأرض قاطبة.. فهو يرفض التقوقع والانعزال.. ويحارب الإرهاب والكراهية والعدوان.. لأنه دين التعارف والتعاون على الخير.. دين المحبة والسلام بين الناس جميعاً.. لا تمييز بينهم جنساً أو عرقاً أو لوناً إلا بالعمل الصالح الذي يستهدف خير الإنسانية بما يرضي الله سبحانه وتعالى.. كما قال عز وجل: ( إنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم).. وهذا التعارف الإيجابي يقود إلى إعمار الأرض ونشر السلام.. وانتشار الثقافة بين الأمم تفاعلاً وتلاقحاً واقتباساً مما يؤدي إلى انتشار الدين الإسلامي في أرجاء المعمورة.. ان الاتصال الفعال بين الأمم اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً عن طريق السفر والرحلات وتبادل المنافع ووسائل الاتصال الحديثة يشكل تطبيقاً لعالمية الدين الإسلامي الحنيف.. وهو بذلك يؤسس عولمة راقية في أهدافها وغاياتها.. مبنية على مبادئ العدل والمساواة والحرية والكرامة واحترام المواثيق والمعاهدات والحقوق والواجبات.. وعلى قيم الصدق والأمانة والوفاء. وتعتبر البعثات العلمية والرحلات الثقافية ظاهرة بارزة في تاريخ الحضارة الإسلامية.. منذ ظهور الإسلام.. وقد حث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على ذلك بقوله: (من سافر في طلب العلم كان مجاهداً في سبيل الله.. ومن مات وهو مسافر يطلب العلم كان شهيداً). منهاج المتعلم- أبو الحاج).. ويتحدث ( ابن خلدون) بتفصيل عن الرحلات العلمية.. في مقدمته فيقول: ( الرحلة في طلب العلوم مفيدة.. لأن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم تارة علماً وتعليماً وإلقاء.. وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة.. لأن حصول الملكات ( أي القدرات) عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما وأقوى رسوخاً.. والرحلة تفيد كثرة الشيوخ.. وعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكة ( أي القدرة العلمية) ورسوخها.. فتعدد المشايخ يفيد تعدد الطرق إذ أن لكل منهم طريقته في التعليم) وقد تحدث المستشرق الإنجليزي " نكلسون": في كتابه: تاريخ العرب الأدبي فقال: ( وكان جلة الباحثين وطلاب العلم يرحلون في حماسة ظاهرة عبر القارات الثلاث.. ثم يعودون إلى بلادهم كما يعود النحل محملاً بالعسل الشهي.. ثم يجلس هؤلاء الباحثون في بلادهم ليرووا شغف الجماهير التي كانت تنتظر عودتهم لتلتف حولهم فينالوا من علومهم ومعارفهم زاداً وخيراً عميماً.. كما كان هؤلاء الباحثون يعكفون أحياناً على تدوين ما جمعوا وما سمعوا ثم يخرجون للناس كتباً هي بدوائر المعارف أشبه.. مع نظام رائع وبلاغة عذبة.. وهذه الكتب هي المصادر الأولى للعلوم الحديثة بأوسع ما تحتمله كلمة العلوم مع معنى.. وهي مرجع العلماء والباحثين.. ومنها يستمدون فنوناً من الثقافة والمعرفة أعمق بكثير مما يظن الناقدون).. انتهى حديث المستشرق.. ان أخبار البعثات والرحلات العلمية في الحضارة الإسلامية مبعث استرشاد للأجيال المتعاقبة.. كما أنها مبعث إعجاب الأمم الأخرى بالحضارة العربية الإسلامية. ويجدر بالذكر ما قامت به المملكة منذ دخول الملك عبد العزيز آل سعود مكةالمكرمة سنة 1343/ 1924م من المبادرة بابتعاث أول دفعة من الطلبة إلى الخارج للدراسة الجامعية المتخصصة وافتتاح مدرسة تحضير البعثات التي استهدفت إعداد الطلبة بما تتطلبه الجامعات في الخارج.. واستمر النمو والتطور في برنامج الابتعاث إلى الدول الشقيقة والصديقة في كافة التخصصات قبل وبعد تأسيس الجامعات والكليات والمعاهد الجامعية في البلاد.. حيث بلغ عدد المبتعثين إلى الخارج عشرات الآلاف للدراسة في التخصصات العلمية والإنسانية في العقود الأخيرة للحصول على الدرجات الجامعية والعليا.. وقد عاد عشرات الآلاف من الخريجين ليسهموا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وليتولوا المناصب القيادية في جميع القطاعات .. فضلا عن جهودهم في مجالات البحث العلمي والتأليف والترجمة والنشر. وقد حقق المبتعثون أثناء ابتعاثهم نشر الثقافة العربية الإسلامية واستفادوا من الثقافات المتقدمة ومعطياتها وانعكس كل ذلك على تقدم وتطور المملكة وعلى علاقتها بالشعوب الأخرى في كافة المجالات. وإذا كان العالم الآن وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م قد اهتزت لديه صورة العرب والمسلمين وشوهت صورة الإسلام المشرقة بالتسامح والمحبة والسلام من قبل فئة انتهجت منهج الإرهاب والفتنة ممن ينتسبون إلى المسلمين.. والإسلام براء من تصرفاتهم.. فإنه من الأهمية بمكان أن تتضاعف الجهود الخيرة من قبل الحكومات العربية والإسلامية لمكافحة هذا الوباء.. والعمل على تحسين صورة العرب والمسلمين.. وتوضيح حقيقة الإسلام.. وذلك من خلال العديد من البرامج والآليات الفعالة.. ومن أهمها البعثات العلمية والثقافية.. وعقد اللقاءات والمؤتمرات مع كافة دول العالم.. وتبادل العلماء.. وابتعاث الطلبة المتميزين علماً وخلقاً ورشداً المدربين على الحوار العلمي والثقافي والذين يمثلون الإسلام بمبادئه العظيمة وقيمه الإنسانية الكريمة.. ويتحلون بأخلاقه وسماحته المنفتحين على الثقافة الإنسانية الأخرى.. بروح مشرقة محبة واحترام لمعطياتها دون تقوقع أو تزمت أو تعصب أو كراهية.. بل بروح الأخذ والعطاء.. في اطار ثقافي يحافظ على الثوابت الإسلامية ويحترم ثقافة الآخرين.. يحترم حقوق الإنسان ويحافظ على كرامته دون كبرياء أو جور أو غطرسة لأن هذه ليست من صفات المسلمين.. ولا من تعاليم الإسلام ومن البرامج التي تسهم في جهود العرب والمسلمين في هذا الشأن: البرامج الإعلامية .. المسموعة والمقروءة والمرئية.. واقامة المعارض الثقافية في الدول الأخرى فضلا عن المشاركة الإيجابية في معارضها .. وان تكون من أهم أهدافها إيضاح مبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف... وازالة ما علق بأذهان الناس بتأثير الأعمال الإرهابية الباغية .. التي لا تعرف دينا ولا وطنا ولا أمة.