تعيش كثير من الدول على وقع أزمات مؤجلة، يجري التجاوز عنها، لاسباب طارئة، او تستدعي اسبابا وازمات كي تكون هناك مبررات لعدم الاستجابة للاستحقاقات الوطنية والسياسية، فالعراق منذ عام 2003 يعاني حالة عدم اتزان سياسي، أرهقت العراق والعراقيين، وهذه الازمة تجذرت واصبحت من مشكلات العراق الرئيسة، وعندما فازت قائمة رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي، تم التجاوز عن الدستور، واللجوء الى التحالفات والصفقات لابعاد علاوي وقائمته عن تشكيل الحكومة، وكذلك تم الاستهانة بالاكراد وهم مكون رئيس في العملية السياسية، ناهيك عن شيطنة نوري المالكي والاحزاب الطائفية للسنة العرب، وعدم اعتبارهم شريكا وطنيا أساسيا، بل عمد نوري المالكي تحت قانون الاجتثاث لاتهام اي شخصية سنية بانها قريبة من البعث او قريبة من الارهاب، وهذا حصل مع نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الذي يعيش اليوم متنقلا في عدد من العواصم العربية والاسلامية ووزير المالية العراقي الدكتور رافع العيساوي ومحاولة اغتياله، ومع نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، والعديد من النواب العرب كالدكتور ظافر العاني، وسلمان الجميلي، وهدى شاكر معروف. ولم يتوقف الامر على القيادات السنية في العراق، بل تجاوزه الى مراجع شيعية اتسمت مواقفها بالوطنية، تجاوزت الاحقاد الطائفية باتجاه عراق عربي الهوية والسيادة والقيادة، ورفضت الاحتلال الامريكي ونتائجه السياسية، ورفضت الفتاوى الدينية ذات الطابع الطائفي لكلا الطرفين من السنة والشيعة، ووقفت موقفا صلبا تجاه الهيمنة والنفوذ الايراني، وضد ولاية الفقيه التي اعتبروها ولاية ووصاية سياسية ودينية ايرانية على العراق، مما اضطر مراجع ومشايخ مثل المرجع العربي اية الله محمود الصرخي الذي يقوم بانتفاضة داخل البيت العراقي ضد ما يسميه بالسياسات غير الوطنية لحكومة نوري المالكي، التي قادت برأيه الى تفتيت ودمار العراق، بسبب كونه رافضا للاحتلال الامريكي وللهيمنة الايرانية على العراق، ورفضه فتوى المرجع علي السيستاني بخصوص الجهاد الكفائي ضد سنة العراق، ما دفع حكومة نوري المالكي لاستخدام الطائرات لقصف مقرات المرجع الصرخي، خاصة بعد نداءاته وتحذيراته للشعب العراقي، بضرورة الابتعاد عن الاحقاد الطائفية ومن يعمل على تغذيتها، وانتخاب من يعمل لمصلحة العراق والمجتمع العراقي، ولم تجد دعاية المالكي سوى اتهامه بانه بعثي سابق. وهو ذات الموقف الذي اتخذته حكومة نوري المالكي مع المرجع جواد كاظم الخالصي، الذي تم التضييق عليه ومطاردته بسبب موقفه مما يجري في العراق وبخاصة التدخل الايراني في شؤونه، اذ يرى الخالصي أن الإيرانيين لهم أجندتهم الخاصة بهم وبقوميتهم الفارسية، ومصلحة بلدهم هي الأولى في الحسابات الدولية، وما ولاية الفقيه الا أجندات سياسية ايرانية، وعليه لا يمكن أن نقبل اعتماد ثقافة وسياسة دولة لمجرد ادعائها الانتماء والولاء للطائفة، أو للبعد الإسلامي؛ لأن الملفات السياسية لا يمكن أن تخضع لكل أبجديات التوليفة الدينية أو الانتماء المذهبي، محذرا ومنذ ثلاثة اعوام من وجود مخطط غربي واقليمي لتقسيم المنطقة عبر إشعال نار الفتنة المذهبية والعرقية. ولعل حال سماحة المرجع الديني الشيخ أية الله حسين المؤيد لا يقارن ايضا بالبقية من حيث حجم التهديدات التي وصلته، ما اضطره للخروج من العراق، وذلك بسبب مواقفه الوطنية، فهو يرى ان العراق اليوم أصبح ساحة مستباحة لإيران، وأصبحت هي اللاعب الاقوى في داخل العراق، وأصبحت ممسكة بمفاصل حيوية في البنى السياسية والاجتماعية والدينية للمجتمع العراقي!. يبدو ان حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لا ترغب في رؤية الحقيقة المؤلمة، وتعمل على تجاوزها، على اعتبار ان ما جرى في الأنبار والموصل وصلاح الدين ليس سوى عمل ارهابي تقوم بها داعش، لكن الحقيقة التي لا يرغب رئيس وزراء العراق سماعها، وهي ان العراق العربي بسنته وشيعته يئس من هذا التوظيف الطائفي، وادرك عمق الازمة، ويعرف اين هم اعداء بلده، واين يكون مستقبله.