مثلت دعوة خادم الحرمين الشريفين أمام قمة قادة الخليج الأخيرة قبل أيام، بجعل مجلس التعاون كياناً اتحادياً حقيقياً، واعتماد القمة لتلك الدعوة رسمياً، امتثالاً لتطلعات وأحلام شعوب المنطقة، عبر مرور سنوات عديدة على قيام المجلس وتأسيسه. دعونا نعترف بأن مجلس التعاون الخليجي، كان بحاجة لمثل هذه الرؤية الاستراتيجية التي تُعيد صياغته من جديد، على أساس وحدوي متكامل، يراعي التقارب الشديد اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً لمنطقة جغرافية واحدة، لها من الإمكانيات وفيها من الثروات ما يجعلها عُرضة للأطماع. وما حدث خلال العقود الأخيرة، من اضطرابات وتوترات وحروب اقليمية، كذلك ما يمرُّ به العالم العربي حالياً من تقلبات وعواصف، يحتم الاستجابة الفورية لمثل هذه الرؤية الاستراتيجية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين بصراحةٍ ووضوح، ولتكون إلهاماً جديداً يطوّر من عمل المجلس، ويجعله مصبّ الأحلام والتوقعات. ولهذا، نستطيع أن نعي وكما قال محللون "إنه عندما يدعو خادم الحرمين الشريفين الى "الانتقال من مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد"، فلأنه يدرك ان طبيعة التطوّرات الاقليمية والطموحات الداخلية في المجلس من جهة، وتكالب القوى الاقليمية والدولية على الساحتين العربية والخليجية من جهة أخرى، يفرضان بالضرورة تطوير تجربة التعاون الناجح بين دول المجلس، لتتحوّل إلى اتحاد اكثر قوة وصلابة وتنسيقاً، ينقل دول الخليج من مرتبة التعاون الى مرتبة الاتحاد الذي يستطيع ان يحمي دوله من الاستهدافات وما اكثرها، ويمكنه ايضاً ان يرفد الوضع العربي بالدعم والمنعة". توقيت الدعوة، خاصة أنها جاءت متزامنة مع الانسحاب الامريكي من العراق، قد يبدو استشرافاً لمحاولات استهداف جديدة للمنطقة، سواء عبر التحدّيات الخارجية المستترة، أو تحدّيات ملتوية لتحريك أصابع الفتنة وإثارة القلاقل، يضع الجميع أمام مواجهة لابد من استيعابها ومن ثمّ العمل على تجاوزها والتصدّي لها. ان قيام "دولة الخليج المتحدة" سيشكّل تطوُّراً ضرورياً وتاريخياً لحماية الخليج ومستقبله، ولدعم الواقع العربي اكثر فأكثر.. عبر هذه التجربة النموذجية الرائدة، وقد يقول البعض إن عملية الانتقال تلك، صعبة، لكن القراءة الجيدة لطبيعة العلاقات بين دول مجلس التعاون وفهم حقائق التاريخ والجغرافيا والواقع الراهن، ستساعد بلا شك في تحقيق ذلك بكل يُسر وبساطة.