اتفق كافة الكتاب والمؤرخين والمفكرين المعنيين بتاريخ المملكة عربًا وغير عرب أن أحد أبرز الجوانب المميزة لعبقرية التجربة السعودية وأحد أبرز أسباب نجاح تلك التجربة يكمن في الفكر الاستراتيجي الوحدوي للقائد المؤسس الملك عبدالعزيز – يرحمه الله – عندما وضع توحيد الكيان وبناء الدولة والإنسان على ثرى هذه الأرض الطاهرة هدفه الإستراتيجي الأول بالاعتماد بعد الله عز وجل على سلاح الإيمان والعزيمة والإصرار، فكان أن قام هذا البنيان الشامخ الذي نحيا في كنفه الآن على أسس التوحيد ورابطة الوحدة. ولأن أبناء قائد المسيرة ومفجر انطلاقتها المباركة عاهدوا أنفسهم بالحفاظ على النهج والالتزام بالأسس والثوابت والمبادئ التي وضعها والدهم الملك المؤسس، والعمل بها بكل إخلاص، كان من الطبيعي أن يظل الفكر الاستراتيجي الوحدوي لقادة هذا الوطن خلال تلك المسيرة وحتى مرحلتها الراهنة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله - هو الملمح الأساس لسياسة المملكة سواءً على الصعيد الوطني أو الخليجي أو العربي أو الإسلامي متخذًا العديد من المظاهر التي جاء أحدثها دعوة خادم الحرمين لدول مجلس التعاون للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد بين دول المجلس، وهي الدعوة التي وجدت ترحيبًا واستجابة فورية من الشقيقات أعضاء دول المجلس الخمس، وبدأت أولى خطواتها العملية أمس الأول باجتماعات الهيئة المتخصصة المكلفة بدراسة مقترحه – حفظه الله – إيذانًا بوضع توصياتها أمام المجلس الوزاري في اجتماعه الشهر المقبل ليرفع الوزراء بدورهم التوصيات النهائية التي سيتوصلون إليها أمام قادة دول المجلس في اجتماعهم التشاوري المزمع عقده في الرياض في مايو المقبل. هذه الخطوات والإجراءات، وذلك التوجه الإستراتيجي نحو العبور بالمجلس إلى هدفه النهائي، الذي يتمثل في تحقيق الحلم الخليجي الذي يراود كافة أبناء الخليج بأن تشرق شمس الوحدة على دوله الست، وهي تقف في جبهة موحدة وصعيد واحد تحدوها غاية واحدة . لا شك أن انتقال المجلس إلى هذه المرحلة التي دعا إليها المليك المفدى يأتي في ظل التحديات والمتغيرات الدولية والإقليمية الكبيرة التي تواجهه وكنظرة ثاقبة مدركة للحاضر، وقادرة على استشراف آفاق المستقبل واحتمالاته بما يتطلب مواقف موحدة ورؤية مشتركة والتوصل بمفهوم العمل الخليجي المشترك إلى أعلى درجات التكامل.