لم تكن كلمات القائد الرمز، عبد الله بن عبد العزيز، أمام إخوانه قادة دول الخليج في افتتاح القمة التي اختتمت أمس، سوى استشعار لمتطلبات مرحلة تستوجب النهوض بالعمل الخليجي وتطويره في بوتقة تعبر عن فكر القائد الكبير. فالرجل المؤتمن على واحدة من أكبر التجارب الوحدوية في التاريخ العربي الحديث، والتي أسسها الملك الأب عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، على هذه الأرض الطاهرة، إنما انطلق في دعوته لقادة الخليج أن «يتجاوزوا مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد قي كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر» من هذه الخلفية الإستراتيجية التي يقودها في هذه المرحلة الحساسة من عمر الوطن، وعمر المنطقة. وإذا كانت ثلاثة عقود، من عمر مجلس التعاون الخليجي، تتطلب التفكير بجدية في مثل هذا التوجه، خاصة وأن المنطقة تواجه كما قال الملك عبد الله بن عبد العزيز «تحديات تستدعي منا اليقظة, وزمنا يفرض علينا وحدة الصف والكلمة» لذا تكون دعوة القائد تجسيداً لرؤية وحدوية وتكاملية في المقام الأول، لا تلبي الحاجة الشعبية لكل مواطني دول مجلس التعاون فقط، وإنما تقرأ المستقبل بما تمليه الظروف الجيوسياسية، وتستجيب للواقع الاجتماعي الذي يربط بين كل دول المجلس. ولأنه لا يخفى على أحد، فإن المنطقة بحكم موقعها وثرواتها، مستهدفة بدون شك، وكل الوقائع الأحداث، تؤكد ذلك، لذا وكما أوضح المليك، لا بد «أن نكون على قدر المسئولية الملقاة على عاتقنا تجاه ديننا وأوطاننا. كما أننا في دول الخليج العربي جزء من أمتنا العربية والإسلامية, ومن الواجب علينا مساعدة أشقائنا في كل ما من شأنه تحقيق آمالهم وحقن دمائهم وتجنيبهم تداعيات الأحداث والصراعات ومخاطر التدخلات». هذا التوصيف الواقعي والواضح جداً، يجعل من الهدف الوحدوي، الذي قامت عليه بالأساس فكرة مجلس التعاون، أمراً يجب أن يكون على الأرض، لأن القراءة الواعية للتاريخ تتطلب التعلم منه، والقفز على الحواجز لتحقيق الهدف الأسمى. ... «لقد علمنا التاريخ وعلمتنا التجارب ألا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك فسيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع وحقيقة الضعف, وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأوطاننا وأهلنا واستقرارنا وأمننا. لذلك أطلب منكم اليوم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر إن شاء الله». بهذه الكلمات الرائعة، وضع خادم الحرمين الشريفين مستقبل المنطقة بين أيدي أبنائها، ورسم بحروفه تلك، إستراتيجية نيّرة يمكننا اعتبارها مفترق طرق، أو خارطة طريق لمستقبل العمل الخليجي المشترك، الذي يستفيد من تجاربه، ويصنع رؤيته ليحقق حلم أبنائه ومواطنيه، في مجتمع التكتلات الكبيرة، وفي عالم لا يعترف إلا بالأقوياء .. والأقوياء فقط.