يظل اليوم الوطني للمملكة - الذي يحتفل به أبناء المملكة هذه الأيام - علامة فارقة في التاريخ الحديث، إضافة إلى كونه البداية الحقيقية لمرحلة بناء الدولة السعودية الحديثة بعد توحيد أجزائها في كيان واحد، والتي يجني المواطن السعودي الآن ثمارها أمناً ورخاءً وقوة وازدهاراً وتقدماً في كل الميادين وعلى مختلف المستويات، بفضل التفاف الشعب حول قيادته، حتى غدت المملكة واحدة من الدول ذات الثقل والتأثير الفاعل في القرار الدولي، وأصبح لها مكانتها المرموقة وموقعها المتقدم بين الدول الأكثر تحقيقاً لمعدلات نمو عالية اقتصادياً وتعليمياً وصحياً وثقافياً واجتماعياً، وهو إنجاز كبير استحق إعجاب العالم. إن النموذج الوحدوي السعودي يتجاوز حواجز المحلية، ويتخطى حدود الحدث الاستثنائي والإنجاز التاريخي إلى نطاق الإلهام والتأثير في مستقبل الشعوب والأمم، فلم تكتف تجربة الملك عبدالعزيز بتوحيد هذا الكيان الكبير بأن تستحوذ على إعجاب العالم، بل إنها ألهمت شعوب المنطقة بأن تحذو حذو ما تم في هذه البلاد، وأن تقتدي بالتجربة السعودية المتمثلة في إرساء دعائم أول وحدة اندماجية حقيقية في تاريخنا العربي الحديث، لتشهد منطقتنا العربية بعد أكثر من أربعين عاماً نموذجاً وحدوياً ناجحاً جديداً تمثل في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عبر اتحاد فيدرالي ضم سبع إمارات خليجية عربية، وليظهر إلى الوجود بعد ذلك بنحو عشر سنوات كيان وحدوي ناجح آخر، هو مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي جاء تجسيداً لآمال وتطلعات شعوب منطقة الخليج العربية في الوحدة والأمن والرخاء والاستقرار، وتحقيقاً لإرادة قادة دول المجلس في العمل على توفير الحياة الرغدة والعزيزة لشعوبهم.. وتعد الإنجازات العديدة التي تحققت منذ إنشاء هذا المجلس، مثل السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد النقدي، وتيسير تنقل المواطنين بين دول المجلس، ومشروع الربط الكهربائي، والتطوير الشامل للتعليم، والتعاون الإعلامي بين دول المجلس، أوضح دلالة على حكمة قادة دول المجلس ونفاذ بصيرتهم واستشرافهم لصالح أوطانهم وشعوبهم. وحريّ بأبناء هذا الوطن الكريم، في هذه المناسبة التاريخية، أن يقفوا على التفاصيل الكاملة للإنجاز الوحدوي ودلالاته، وأن يستلهموا روح الحدث الاستثنائي ومغزاه، ليكون ذلك حافزاً لهم لمزيد من البذل والعطاء من أجل رفعة وتقدم بلادهم، فما أنجزه القائد المؤسس في هذا اليوم الخالد أكبر من مجرد إعلان تأسيس دولة، أو جمع شتات وطن ممزق، وإن كان ذلك بحد ذاته إنجازاً تاريخياً غير مسبوق، ولكنه كان إعلاناً عن بدء مشروع حضاري شامل ينتظم كامل تراب الكيان الجديد هدفه إرساء دعائم دولة قوية تأخذ بأسباب الرقي والتقدم، وبناء الإنسان السعودي القادر على الذود عنها، وحماية ترابها، وصون عزتها وكرامتها، وتوفير الأمن والرخاء لأبنائها، وهو ما شكّل، في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ وطننا العربي، نموذجاً إنسانياً غير مسبوق لما يمكن أن تحققه إرادة القائد وحنكته ونفاذ بصيرته من إنجازات كبرى لشعبه ووطنه، الأمر الذي وصفه أحد الكتاب الغربيين بأنه معجزة فوق الرمال، وذلك في كتاب ضخم حمل نفس العنوان!. هنيئاً لبلادنا العزيزة بيومها الوطني، وهنيئاً لشعبنا السعودي الوفي بقيادته التي تتخذ الحكمة منهجاً، وأمن المواطن ونهضته خارطة طريق نحو كل ما فيه تقدم الوطن والمواطن، وإلى مزيد من التقدم والإنجاز كي تظل المملكة، كما هي، رائدة في كل المجالات. * مدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج