تنبلج ابتهاجات زائري المرضى وهم يعلون أصواتهم لأسماع مريضهم «ما شاء الله.. قادر أن تمشي، أو قادر أن تقوم».. إلخ بهدف الشحن المعنوي لأنظمة المقاومة الموهونة في جسم المريض. مما يغيظ، ولا يثير الدهشة بتاتاً، أن لغة المشافي هذه، تجري في موضوعات سياسية وفكرية كثيرة، تتبجح أنها صحية وفكرية وشفافة أكثر من فؤاد غورباتشوف الخلي. قرأت في صحيفة الوطن الكويتية، العنوان التالي: ندوة «دور المرأة في صناعة القرار»: نساء الكويت قادرات على تولي المناصب القيادية. ويروي الموضوع ندوة بهذا الخصوص نظمتها الجمعية النسائية هناك، تحدثت فيها «كوكبة» (كما سجل المحرر) من الناشطات السياسات (وحكاية الناشطات السياسيات أيضاً مثل «كوكبة»)، مع أن العدد لم يكن «كوكبة»، كان، فقط، ثلاث سيدات لا غير. و«النشاط» أصبح يطلق على أنواع كثيرة، مثلما نشهد في أسواق الخضار، من الكائنات البشرية التي تدب في صحارى «الفيسبوك» وتويتر، وتحلق في الفضاء التخيلي. حتى ربة البيت يمكن أن يطلق عليها «ناشطة منزلية»..! على الرغم من أن لغة الإشادة ب«قدرات» المرأة، هي محاولة، بنية طيبة، للذب عن حياض المرأة المنتهكة، فإني أراها، وأتحمل وزر هذا الرأي، أسلوبا اعتباطيا. فهي لغة تعني، أيضاً، أن العقل الباطن مقتنع بأن النساء العربيات «معاقات» وعنوان الندوة تقليدي ومكرر حتى الاهتراء في ألسنتنا، وفي جميع بلاد العرب أوطاني إلى مصر فتطوان. كما أن الندوة ذاتها بدت دعاية انتخابية، استعداداً من «النون» لمهرجان فبراير البرلماني. والذي لاحظته من اللغة التي تحدثت بها «الكوكبة»، أن سيدات الكويت لا يزلن ينافحن للبراءة من تهمة «الإعاقة» أو نقص فيتامين «د» في الملكات الفكرية، وهي نفس المشكلة عندنا. وقالت «الكوكبة» بلسان واحد إن المرأة «قادرة» على تولي المناصب السياسية. وهذه نفس اللغة التي يستخدمها كثير من المتنطعين في مضاربنا. وكي لا أجلد ذاتنا المحلية، وذاتنا الخليجية، فإن هذه اللغة نفسها، أيضاً، تستخدم في منتديات وندوات «العريبيا»، فنجد عناوين من قبيل «المرأة العربية قادرة على الإبداع».. و«المرأة العربية قادرة على ..» إلخ. كما أن هذه اللغة تضفي سماجتها الثقيلة على مضارب عالمية كثيرة، بما فيها مضارب أمريكية وأوروبية، و«مناحات» أخرى في مد البسيطة. وعلى الرغم من أن لغة الإشادة ب«قدرات» المرأة، هي محاولة، بنية طيبة، للذب عن حياض المرأة المنتهكة، فإني أراها، وأتحمل وزر هذا الرأي، أسلوبا اعتباطيا. فهي لغة تعني، أيضاً، أن العقل الباطن مقتنع بأن النساء العربيات «معاقات»، وصم بكم عمي، ولكنهن «قادرات» على التحرك أو «قادرات» قليلاً على التفكير.! و«حَتى بَرَأنَ، وَكُنّ غَير بِراءِ» كما يقول جرير صناجة الصحراء. وكانت ندوة «الكوكبة» الكويتية من أولها إلى آخرها ليست إلا نفيا للإعاقة. سؤال مهم.. متى نفهم أن المرأة، هي أكثر إبداعاً وذكاء و«قدرة» من الرجل؟. وقد أثبت التاريخ أن المرأة هي «أول مدير» للشئون العامة في الحياة، طبقاً لقاموس «أيكونوميست» للأعمال. وبالمناسبة، أقول ولا أخشى في ذلك لومة لائم، إن «الأيكونوميست» أوثق من أية «كوكبة» أو «كواكب» عربية ترجم مضارب العرب ونجوعهم، بشهب شياطين الإعاقات من كل فج عميق. وتر تحتفي سامقات الأثل وضفاف الوادي الخصيب، إذ وجهك، ورياح الشمال، وديم تهمي تلاع القصيم. ونوارة السرو تعبق في رحم عروق النفوذ وطيوف خصل الشمس.. وإذا ما تيامنت حزوى البهية، تهيض غيلان وأنشد ملء السرى. [email protected]