هناك الكثيرون من الكُتَّاب اليوم الذين ينعون واقعنا العربي، ويصفونه بالضعف والفساد الإداري، والبيروقراطية والتخلف العلمي. إلا أن الموقف ليس كذلك، ويمكن لنا أن ننظر إلى الموقف من زوايا أخرى. فإذا نظرنا إلى أوروبا مثلاً، نجدها تواجه أزمة ديون ضخمة. هذه الأزمة تزعزع الاستقرار الذي تمتعت به أوروبا طوال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية إلى الدخول في موجة من اضطرابات ضخمة على الصعيد الاجتماعي، والسياسي وعلى الصعيد النقدي المصرفي. إن أزمة الديون التي تشهدها الولاياتالمتحدة وأوروبا، هي عبارة عن ديون ضخمة على الحكومات داخلياً وخارجياً لا يستطيع الإنتاج المحلي أن يغطيها.. لذلك كان أحد الحلول أمام الأوروبيين هو الاتجاه إلى دول الخليج واستقطاب الأموال الخليجية على شكل تشجيع شراء حصص في البنوك أو اقتناء سندات أو حتى المشاركة في صندوق الاستقرار المالي عندما تتضح آليات عمله. يعني ذلك أن الدول الخليجية أصبحت مرحباً بها لشراء أصول في الدول الأوروبية، هذه الأصول تعني مباشرة ثقل الوزن السياسي في العالم وتغيّر الخطاب، حيث أصبحت دول الخليج اليوم قادرة على التمدُّد الاقتصادي داخل المجتمع الأوروبي، وما يتبعه بعد ذلك من توضيح المنظور الاجتماعي العربي في صورته الصحيحة. أما إذا نظرنا إلى مشكلة التراجع العلمي في الدول العربية في مقابل الدول الغربية، فنجد أن المشكلة تكمن في معدل الإنفاق على البحث العلمي وتطوير المناهج التعليمية، وهي أمور في أغلبها أمور مالية يمكن حلها بسهولة، خاصة مع توافر الأموال لدى الدول العربية، كما أن الوطن العربي يمتلئ بالعقول العلمية النيّرة التي يمكن أن تضيء سماءه في أقصر مدة ممكنة إذا وضع برنامج علمي شامل يتخذ من البحث العلمي أساساً له ويرصد له الميزانيات الضخمة. أما الواقع السياسي فيقول إن الدول التي تقع على حدود الوطن العربي تدرك أنها لا تستطيع الثبات اقتصادياً وسياسياً إلا من خلال أصدقاء لها في الوطن العربي، وكذلك أدرك العالم الغربي أنه مضطر إلى مخاطبة الشعوب العربية وعدم تجاهلها بعد اليوم، وبالتالي دخلت الشعوب العربية المعادلة اليوم. وبالتالي لا تستطيع الحكومات أن تجبر شعوبها على قرارات لا تخدم مصلحة الشعوب. إن أحد العوائق الماثلة أمام النهضة العلمية عدم وجود عددٍ كافٍ من المؤسسات التي تُعنى بالبحث العلمي، وقد شهد الوطن العربي في الآونة الأخيرة توجّهات جادة نحو إنشاء مؤسسات تختص بالبحث العلمي إلا أنه علينا بناء المزيد من تلك المؤسسات كي تستوعب العقول الذكية التي ينعم بها شبابنا وتفتح له أبواب الابتكار في شتى المجالات. كما أن الشعوب أصبحت تعرف ماضيها وحاضرها وتدرك مصلحتها وترغب في النهوض والانطلاق. من وجهة نظري يقف الوطن العربي على أعتاب نهضة علمية كبرى حيث باتت كافة الظروف مهيأة لهذا الانطلاق.. فالقوة البشرية متوافرة، والعقول المستنيرة كثيرة، والأموال أيضاً موجودة وليس هناك عائق أمام الانطلاق مع تراجع الدول الغربية والتي أصبحت تحيط بها الأزمات من كل مكان وهي تلجأ إلينا اليوم طامعة في أموالنا، فآن الأوان أن نضع شروطنا ونحقق أكبر استفادة، وأن ننقل العلوم والتكنولوجيا التي وصلوا إليها إلى طلابنا وأن نبني نهضتنا في هذا الوقت فهذا هو أنسب الأوقات لذلك. إن أحد العوائق الماثلة أمام النهضة العلمية عدم وجود عدد كاف من المؤسسات التي تُعنى بالبحث العلمي، وقد شهد الوطن العربي في الآونة الأخيرة توجُّهات جادة نحو إنشاء مؤسسات تختص بالبحث العلمي إلا أنه علينا بناء المزيد من تلك المؤسسات كي تستوعب العقول الذكية التي ينعم بها شبابنا وتفتح له أبواب الابتكار في شتى المجالات. ويمثل عائق آخر أمام النهضة العلمية، وهو عدم شيوع مفهوم شمولية البحث العلمي، بمعنى أنه، لتحقيق البحث العلمي، يجب الاهتمام الجاد بكل أجزاء أو مجالات النهضة العلمية: المجال الإداري والمجال التربوي والمجال الاقتصادي والزراعي والمجال السياسي والمجال التكنولوجي والمجال الثقافي ومجال الدراسات النفسية ومجال علم الفضاء والفلك ومجال الفيزياء والكيمياء ومجال النواة ومجال الرياضيات والمجال الالكتروني، بحيث تتكامل كل هذه العلوم مع بعضها البعض ويتم الاهتمام بها جميعاً قدر المستطاع لتتحقق نهضة علمية شاملة. واستعمال اللغة العربية أداة للتعليم الجامعي والنهوض بالترجمة جزء لا يتجزأ من توطين العِلم في الوطن العربي. ولا يمكن تحقيق ذلك التوطين دون جعل اللغة العربية أداة للتعليم في المؤسسات الأكاديمية والدراسات العربية، ولغة البحوث العلمية في تلك المؤسسات في مختلف العلوم. وقد لا نكون بحاجة إلى أن نذكر، على سبيل المثال، أن الصينية هي لغة التعليم في الصين، واليابانية هي لغة التعليم في اليابان.