رحيل سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز أبكى الوطن في ظاهرة فريدة لا نراها في الدول الأخرى، لأنه يمثل حالة استثنائية لا تتكرر كثيرا للسمات المتميزة التي تفرد بها كمسؤول وكإنسان حتى الذهول لمسناه على وجوه الشعب السعودي بجميع فئاته ومناطقه ولدى المقيمين كذلك، وتلك الاستثنائية التي حملها الراحل جاءت عبر تاريخه الطويل من العطاء في تاريخ المملكة الحديث والذي شارك في صناعة أمجاد المملكة ونهضتها التنموية من خلال مسيرة حافلة كرجل دولة متمرس تكفل بأعقد وأصعب الملفات السياسية التي عاشتها المملكة في الداخل والخارج، حتى إنه أصبح بحق مدرسة سياسية مستقلة من الواجب دراسة خصائصها وإنجازاتها. إن الراحل الكبير صنع أمجادا لوطنه وشعبه وأمته فاقت الواقع المعاش وتجاوزته إلى تأسيس نموذج متميز من التفكير السياسي المستقل المبني على قوة الشخصية والذكاء الحاد في قراءة الواقع واستلهام المستقبل وهو الشخصية التي امتازت بالعمل الطويل الشاق المتواصل لخدمة وطنه وحل المشكلات التي تعترض أي ملف سياسي أو تنموي تم تكليفه به من قبل خادم الحرمين الشريفين وإخوانه الملوك السابقين مما جعل منه مدرسة تتلمذ فيها أجيال من السياسيين والمسؤولين والإداريين التنفيذيين السعوديين وكل من عمل معه استفاد من عبقريته وجلده وصبره في تفكيك أعقد المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لها وهذه المدرسة ما زالت تقدم الناجحين والمقتدرين في أي موقع مسؤولية يكلفون به لخدمة وطنهم وشعبهم. إن رجلا بحجم الراحل الكبير ليس بمستغرب أن يشيد به زعماء وقادة العالم وأن يرثوه بأصدق العبارات والكلمات لأنه الشخصية المتمرسة ذات البعد الإنساني حتى في أصعب وأدق القرارات التي اتخذها مما أشعرهم بلوعة الفقد حين يغيب عنهم سياسي ورجل دولة لم يراع في تعاملاته مع الخارج والداخل سوى مصلحة بلده ومصلحة شعبه السعودي. كم هم الرجال الذين يشعر الآخرون بالهيبة والصدق والطمأنينة حين يتعاملون معهم إنهم قلة جدا وسلطان من هؤلاء القلة في العالم الذين لا يبحثون عن أمجاد شخصية إنما يبحثون عن أمجاد لوطنهم فقط وهو تبدى في الكلمات التي قرأناها وشاهدناها في وسائل الإعلام العربية والإسلامية والدولية حين أجمعت كلها على الإشادة برجل الدولة والإنسان في اقتران قل نظيره في عالم السياسة. سيبقى سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز في ذاكرة وطنه وشعبه وستنهل الأجيال معين سيرته ومدرسته وهي تترسم خطى خدمة وطنها وإعلاء راية مجده الخفاقة لتبقى منارة بارزة في تاريخ العرب والمسلمين والمسرح الدولي.. إنه سلطان الذي يرحل ويبقى في قلوب شعبه مضيئا لدروب المستقبل.