بعد أكثر من عِقد من الزمان على انطلاقها استطاعت النقود البلاستيكية الاسلامية تقديم حلول لجملة من المشكلات والتحدّيات التي اعترضت طريقها لكن نجاحها في الخروج من مأزق الربا والمحاكاة وشُحّ الابداع يظل محل خلاف. ويقول محمد الدقدوقي نائب مدير عام البنك الوطني المصري التابع لبنك الكويت الوطني ان ما يُسمى بالنقود البلاستيكية يشمل ثلاثة أنواع من البطاقات هي «بطاقة الحساب» و»البطاقة مسبقة الدفع» و»بطاقة الائتمان». وتتحفظ الشريعة الاسلامية على النوع الاخير فقط من البطاقات كونها تحقق أرباحاً مقابل منح المال بأجل حسب الدقدوقي الذي قال ان بطاقة الحساب المُجازة شرعاً تصبح بطاقة ائتمان محرّمة ان لم يُسدّد العميل قيمة مشترياته بها خلال فترة السماح وبالتالي تترتب عليها فوائد. ومع تطوّر استعمال بطاقات الائتمان التقليدية التي ظهرت في خمسينيات القرن الماضي أصبح على المصارف الاسلامية أن توفر معادلاً موضوعياً لها يتجنب الربا ويوفر قيمة مضافة للعملاء، وأصبحت البنوك الاسلامية أمام خيارين أولهما تشغيل بطاقة ائتمان تقليدية ومن ثم الوقوع في مأزق شرعي والثاني ابتكار منتج جديد، لذا اتجهت البنوك الاسلامية نحو الخيار الثاني، وكان من أوائل البنوك التي أطلقت بطاقة ائتمان اسلامية بنك اسلام الماليزي وبنك المؤسسة العربية الاسلامي في البحرين وذلك مطلع القرن الواحد والعشرين. عرف العالم مفهوم بطاقة الائتمان بصورتها الحالية لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي عندما طرحت شركة «داينرز كلوب» الامريكية بطاقات لعملائها لاستخدامها في الحصول على الوجبات الغذائية وسلع أخرى، والآن تسيطر شبكات فيزا وماستر كارد وأمريكان اكسبريس على النسبة الغالبة من معاملات بطاقات الائتمان على مستوى العالم.ويقول الدقدوقي ان بطاقات الائتمان الاسلامية منذ نشأتها كان عليها التعاطي مع جملة تحديات لتحقيق التوافق مع الشريعة والبقاء في حيّز المنافسة مع نظيرتها التي سبقتها بنصف قرن الى الوجود، وأضاف: المفروض أن البطاقة الاسلامية لا تشتري سلعاً محرّمة، ولا تتيح السحب النقدي ولا تسمح بالسداد آجلا وهذه المشكلات الثلاث كان على البنوك الاسلامية التعامل معها عند اصدار بطاقة اسلامية. وبالنسبة للمشكلة الاولى بحسب الدقدوقي تم الاتفاق مع المنظمات العالمية «المديرة لشبكات الدفع الالكترونية» بأن تراعي خصوصية البنوك الاسلامية، أما مسألة السحب النقدي فتغلبت عليها البنوك الاسلامية عن طريق فرض حد أو رسم خدمة ثابت بصرف النظر عن قيمة المبلغ المسحوب، وبالتالي لا يوجد ربط بين المبلغ المسحوب وبين رسم الخدمة لتغيب شبهة الربا عن هذه المعاملات، وبالنسبة لاجل السداد استخدمت البنوك صيغ العقود الشرعية لتقديم تسهيل ائتماني غير قائم على النقد. وتحرم الشريعة الاسلامية استعمال النقود كسلعة في حد ذاتها وتشترط لإجازة المعاملة التجارية أن تتم على سلعة أو خدمة. من جانبه قال عدنان سيد نائب الرئيس ومدير البطاقات في بنك الهلال الذي يتخذ من أبوظبي مقراً ان بطاقات الائتمان الاسلامية استعملت صيغ العقود الشرعية واعتمدت في غالبيتها على معاملات هي بيع الاجارة والتورّق والعينة والكفالة والاجرة، وأضاف في دبي مثلا تقوم بطاقات بنك دبي الاسلامي والامارات الاسلامي والشارقة الاسلامي على عقد الاجرة. وتعتمد بطاقة مصرف أبوظبي الاسلامي على التورّق فى الوقت الذي تتباين فيه الآراء حول مشروعية هذه المعاملات وتوافقها مع الشريعة.. فبينما يتم العمل بصيغة التورّق على نطاق واسع في منطقة الخليج ترفض أوساط مصرفية وشرعية في مصر هذه الصيغة، ويرفض علماء شريعة في دول خليجية وفي مصر صيغة «بيع العينة» المتداولة في ماليزيا وجنوب شرق آسيا حسبما يقول عماد السحار المدير العام بقطاع المعاملات الاسلامية لبنك مصر، وأضاف: لدينا تحفظات على جميع البطاقات الاسلامية المعمول بها حالياً في مصر، فليست هناك بطاقة ائتمان اسلامية واضحة في مصر حتى الآن ولخّص رأيه في كلمات قليلة قائلاً: «التجربة غير ناجحة وغير مقنعة». وأصدر المصرف المتحد عام 2009 أول بطاقة دفع موافقة للشريعة في مصر تحت اسم بطاقة «المرابحة رخاء» بعد صدور فتوى من دار الافتاء المصرية. وأعلن بنك الشركة المصرفية العربية الدولية الذي يتخذ من القاهرة مقراً في سبتمبر أيلول الماضي عزمه اصدار بطاقة ائتمان اسلامية تحت مسمى «بطاقة التيسير» على أن تخرج للسوق مطلع العام القادم. وقالت تقارير هذا الشهر ان بنك البركة مصر يعتزم اطلاق بطاقة اسلامية. وتنشط في مصر ثلاثة بنوك اسلامية هي فيصل الاسلامي والبركة والوطني للتنمية بينما يستعد المصرف المتحد الى التحوّل لمصرف اسلامي متكامل وتشغل كبار البنوك التقليدية فروعاً للمعاملات الاسلامية. وتتيح البنوك الاسلامية التي لم تصدر بعد بطاقة ائتمان اسلامية لعملائها استخدام البطاقة التقليدية. وقال سيد فاروق رئيس أسواق المال الاسلامية بمؤسسة تومسون رويترز في دراسة له بعنوان «ابداع النقود البلاستيكية الاسلامية» ان البنوك الاسلامية تدخل في مجموعة تعاقدات مع العميل وأطراف أخرى كي توفر آلية الائتمان الاسلامية. وتضرب الدراسة عدة أمثلة على هذه المعاملات. فتقول ان في حالة بطاقة الائتمان القائمة على التورّق يبيع البنك للعميل قطعة أرض مثلاً مقابل السداد الآجل، ويتضمّن سعر البيع كلاً من الحد الائتماني الذي ستتيحه البطاقة للعميل والارباح التي يقررها البنك لنفسه، ثم يبيع العميل قطعة الارض لوسيط «طرف ثالث» مقابل سعر فوري أقل من السعر الذي اشترى به من البنك ويتم وضع مقابل الشراء في حساب وديعة يستخدمه حامل البطاقة في مشترياته. وفي حالة بطاقة الائتمان القائمة على الاجارة «التأجير» تقول الدراسة ان العميل يدخل في عقد اجارة منتهية بالتملك مع البنك - أي يشتري السلع والخدمات ويدفع البنك قيمة هذه المشتريات للتاجر.. ثم يؤجر البنك السلع والخدمات المشتراة للعميل لفترة زمنية يدفع خلالها العميل أقساطاً للبنك. وهذه الاقساط تشمل قيمة السلع مضافاً اليها أرباح البنك. وعرف العالم مفهوم بطاقة الائتمان بصورتها الحالية لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي عندما طرحت شركة «داينرز كلوب» الامريكية بطاقات لعملائها لاستخدامها في الحصول على الوجبات الغذائية وسلع أخرى. والآن تسيطر شبكات فيزا وماستر كارد وأمريكان اكسبريس على النسبة الغالبة من معاملات بطاقات الائتمان على مستوى العالم. وتحتاج المصارف الاسلامية للتعاقد مع هذه الشركات حتى تشغل بطاقات اسلامية وتدفع لها نسبة من أرباح البطاقات مقابل الخدمة.. لكن الانتقادات التي تواجهها النقود البلاستيكية الاسلامية ليست بالقليلة ويكاد التفاؤل بمستقبلها يكون ضعيفاً. وقال فاروق: غالبية البطاقات الاسلامية تحاول اعادة انتاج أثر البطاقات التقليدية، واذا حاولت الابتعاد عن تقليد البطاقة التقليدية ومراعاة المبادئ الاسلامية فهي تتنازل عن الربحية. ويرى فاروق أن عالم البطاقات الاسلامية به الكثير من المسمّيات والقليل من الابداع وأن هذه البطاقات لم تطرح أي قيمة مضافة جديدة لعملائها رغم مرور أكثر من عقد على انطلاقها.