تحادثت مع صاحبي مالك مطعم للأكلات المحلية عن أمور وشئون كثيرة حول هذا النوع من التجارة.. تجارة الأطعمة وإعداد الوجبات المختلفة.. وماذا عن تعامله مع شرائح مختلفة من الزبائن. وكذلك مسئولياته تجاه سلامة الغذاء وتطبيق الشروط الصحية والضوابط البلدية، ومكاسب هذا النشاط التجاري والاتساع فيه.. فذكرت له كم تزدحم بل وتغصّ شوارعنا بالمطاعم والبوفيهات والمطابخ والكافتريات، لدرجة أن المرء يظن أن مملكتنا هي مملكة (الغذائية) وتفوّقنا على دول العالم في مسألة وجود مطاعم وأطباق واكلات من تلك الدول في بلادنا.. فلا تكاد تمرّ بشارع إلا وتجد عدداً من المطاعم تقدّم وجبات متنوّعة «هندي وباكستاني واندونيسي وايطالي ويميني وأمريكي وفرنسي وصيني وكولومبي ومكسيكي» وعدّوا ما شئتم... وكأن شوارعنا مائدة للعالم، ولله الحمد على هذا، ولكن النشاط التجاري الغذائي لدينا نشاط مُتخم وسمين جداً تكاد الأرض تغصُّ به.. مع إدراكي لولا وجود الطلب وكثافته لما تعدّدت تلك المطاعم. لماذا تلك الصورة النمطية التقليدية في الاستثمار التي لا تخرج عن استثمار في الأراضي والمطاعم والبقالات وبعض الأنشطة المستهلكة والمقلدة بعضها؟ ولماذا تعطلت عقولنا عن التفكير في آفاق جديدة ومُبهرة لمسارات تجارية وفرص استثمارية مبتكرة؟ وذهب خاطري ليتوقف على خطوط تلك التجارة فنتساءل: هل اقتصادنا اقتصاد أطعمة؟ أم أن (ثقافتنا) التجارية و(فقه) المشاريع الرابحة يكمنان في تلبية الملذات وإشباع حاجة الأكل والشرب؟ هل توقفت أفكارنا عن إنتاج أفكار تجارية لامعة تبعدنا عن تقليد بعض المشروعات الناجحة؟ ولماذا تلك الصورة النمطية التقليدية في الاستثمار التي لا تخرج عن استثمار في الأراضي والمطاعم والبقالات وبعض الأنشطة المستهلكة والمقلدة بعضها؟ ولماذا تعطلت عقولنا عن التفكير في آفاق جديدة ومُبهرة لمسارات تجارية وفرص استثمارية مبتكرة؟.. مع أن الدول الكبرى تحوّلت إلى اقتصاد المعرفة والعقل ونحن ما زلنا تحت وطأة اقتصاد الطبخة والبطن. حقيقة لدينا قدرة هائلة على تكرار فعل ونشاط الآخر لسهولة الأمر، ولكننا نخفق في صنع أفكار خاصة بنا بسبب محدودية التأمل وضيق الأفق وتعليق خططنا على تجارب الآخرين ظناً أنهم يختزلون الزمن لنا ويختصرون كل جهد يمكن أن نؤديه، وهذا الأسلوب المبنيّ على استثمار ونسخ الآخرين جعل عقولنا معطلة، ونظرتنا قصيرة، ورؤيتنا محدودة.. وعلى أن لدينا طاقات كامنة تجعلنا نكسب الكثير من الفكر اليسير إلا أننا ما زلنا مقيّدين في معتقل الربح وسهولته ولا نحاول الانطلاق إلى مساحات أخرى فيها ثراء وإنتاج، وجدة وأصالة.. فالعالم تحوّل إلى الإنتاج والاستثمار في أنماط جديدة من التجارة والتسويق تقوم على الانتفاع بمنتجات الإعلام الجديد في عالم الانترنت من خلال الإعلان والبيع والتبادل التجاري ومع ذلك لا نحرّك ساكناً.. هنا صحوت من خاطرتي والتفتّ لصاحبي وسألته: هل تعرف «الفيس بوك» وكم يجني من أرباح؟ قال: اعرف عنه.. أما أرباحه فلا، ولكن في مطعمي لا يهمني إلا التيس بوك، وقلت: ماذا عن قوقل؟ قال: لا اعرف الا المقلقل.. قلت: وماذا عن تطبيقات الايفون؟ قال:لا اعرف إلا المدفون.. فعلمت أن اقتصاد المظبي قد طغى واستبد. [email protected]